شهدت العلاقات التركية الخليجية تنامياً متسارعاً في الأشهر الأخيرة سيتجسد بشكل أكبر خلال القمة التي ستضم وزراء خارجية مجلس التعاون مع نظيرهم التركي مولود جاويش أوغلو، اليوم الخميس، في العاصمة السعودية الرياض.
وبينما تعتبر العلاقات التركية مع قطر الأقدم والأقوى من بين دول مجلس التعاون، شهدت العلاقات مع السعودية تطورات هامة في الآونة الأخيرة مع قرب تفعيل مجلس التعاون الإستراتيجي المشترك بين البلدين، لكن التكهنات تنصب الآن حول إمكانية إحداث اختراق في العلاقات مع الإمارات، وهو ما توقعه مصدر دبلوماسي عربي في أنقرة لـ»القدس العربي».
وبينما يُجمع مراقبون حول أن شعور السعودية بـ«الخذلان الأمريكي» عقب إقرار قانون جاستا لملاحقة المملكة قانونياً، ساهم في تعزيز التقارب مع تركيا بشكل كبير، يتوقع مراقبون أن ينعكس هذا الأمر على باقي دول الخليج التي تخشى تراجع الدعم الأمريكي وباتت تبحث عن حلفاء آخرين في المنطقة.
وبعد أن ظل موقف تركيا من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عائقاً أمام تعزيز التقارب مع السعودية وتحسين العلاقات مع الإمارات، تؤشر الخلافات المتصاعدة بين هذه الدول والسيسي الذي صوت إلى صالح القرار الروسي حول سوريا في مجلس الأمن الدولي، تؤشر إلى إمكانية انتفاء أحد أسباب الخلاف وفتح آفاق جديدة للتقارب في ظل تعاظم التهديدات المشتركة لكلا الطرفين.
وتُثمن تركيا مواقف الخليج عقب محاولة الانقلاب الفاشلة في البلاد، حيث أصدر مجلس التعاون آنذاك بياناً رحب فيه «بعودة الأمور إلى نصابها في الجمهورية التركية بقيادة الرئيس، رجب طيب أردوغان، وحكومته المنتخبة، وفي إطار الشرعية الدستورية وإرادة الشعب»، وأكد «حرص دول التعاون على أمن واستقرار الجمهورية التركية وتعزيز العلاقات التاريخية معها».
تستضيف العاصمة السعودية الرياض، اليوم الخميس، اجتماعا خليجيا تركيا على مستوى وزراء الخارجية؛ لبحث تعزيز التعاون والقضايا السياسية الراهنة، حيث سيشارك في الاجتماع وزراء خارجية دول مجلس التعاون ووزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو.
وسيترأس الاجتماع الذي سيعقد في مقر الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي في الرياض وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، الذي يرأس الدورة الحالية للمجلس الوزاري لمجلس التعاون.
وفي بيان له، قال الأمين العام لمجلس التعاون، عبداللطيف الزياني، إن «الاجتماع المشترك يأتي في إطار الحوار الاستراتيجي القائم بين الجانبين»، موضحاً أنه سيحث «سبل تعزيز علاقات التعاون المشترك في مختلف المجالات بين مجلس التعاون والجمهورية التركية وسيناقش القضايا السياسية الراهنة، وتطورات الأوضاع الأمنية والسياسية في المنطقة، والجهود الدولية المبذولة لمكافحة الإرهاب».
وخلال الـ12 شهراً الماضية، عُقدت 12 قمة تركية خليجية جمعت الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بقادة دول الخليج، تضمنت 6 قمم مع قادة السعودية، و4 مع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وقمة مع ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة، ولقاء مع أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر.
تطورات لافتة مع السعودية
تشير التطورات السياسية والاقتصادية التي شهدتها العلاقات السعودية التركية خلال الأيام الأخيرة أن المملكة استجابت للرغبة التركية الجامحة في تعزيز العلاقات بين البلدين وذلك بعدما أبدت وقوفاً كبيراً إلى جانب الرياض أمام قانون «جاستا» الأمريكي، وذلك بعد أن ظلت الرياض مترددة لفترة طويلة في تعزيز التقارب وتفعيل مجلس التعاون الإستراتيجي.
ويرى مراقبون أن «الخذلان الأمريكي» بات عاملاً مشتركاً يجمع بين السعودية التي تنتظر النتائج الصعبة لإقرار القانون الأمريكي الجديد، وبين تركيا التي ترفض واشنطن تسليمها فتح الله غولن المتهم بقيادة محاولة الانقلاب وتواصل دعم المليشيات الكردية التي ترى فيها أنقرة خطراً كبيراً على أمنها القومي.
كما وقفت تركيا بشكل واضح إلى جانب المملكة في أزمة الحج مع إيران، وخلال زيارته الأخيرة لتركيا بداية الشهر الحالي، قال ولي العهد السعودي الأمير محمد بن نايف «نحن وتركيا مستهدفون ونحتاج لبعضنا البعض»، فيما لفت أردوغان إلى أن «تركيا والسعودية مستهدفتان.. هناك تطورات وقحة جدا ضد العالم الإسلامي وعلى بلدان العالم الإسلامي التضامن لمواجهتها».
وتأمل تركيا من السعودية تفعيل تعاون أكبر بين البلدين في المجالات السياسية والأمنية لا سيما المتعلقة بالأزمة السورية ومحاولة إيجاد تكتل إقليمي يستطيع الخروج عن محددات السياسة الأمريكية في المنطقة وبشكل خاص الفيتو المتعلق بمنع تسليح قوات المعارضة السورية بأسلحة متطورة، وربما السعي لمشاركة قوات برية سعودية في عملية درع الفرات لتوسيعها وفرض مخطط المنطقة الآمنة في شمال سوريا.
كما تسعى أنقرة بقوة إلى أن تجتذب الاستثمارات السعودية لا سيما وأن الولايات المتحدة التي كانت الوجهة الأولى لمليارات المملكة باتت مكانا غير آمن ومن المتوقع أن تسعى المملكة لإيجاد أسواق جديدة لها بعيداً عن السوق الأمريكي الذي بات يهدد بتجميد الأموال السعودية بفعل القانون الأخير.
والثلاثاء، وقعت شركة النفط الوطنية السعودية «أرامكو»، مذكرات تفاهم مع عدد من الشركات التركية، لتمكينها من المشاركة في مناقصات أرامكو، والعمل في السوق السعودية.
وقال وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي، براءات ألبيرق، إن التوقيع على مذكرات التفاهم بين أرامكو السعودية و18 شركة تركية من شأنه تعزيز التعاون بين البلدين، لافتاً إلى أن «العلاقات الأخوية بين البلدين الشقيقين، تكتسب زخمًا بوتيرة متسارعة، وتسير بخطى ثابتة نحو الأمام».
وأمس الأربعاء، بحث رئيس اللجنة الوطنية العقارية بمجلس الغرف السعودية «حمد الشويعر»، مع رئيس اتحاد المقاولين التركي «ماثات ينقن»، أطر الشراكة بين المطورين العقاريين بالمملكة وشركات المقاولات في تركيا، حيث تسعى تركيا للفوز بمناقصات بناء آلاف الوحدات السكنية في المملكة.
وفي نيسان/إبريل الماضي شهدت العلاقات بين البلدين أبرز محطاتها بتوقيع أنقرة والرياض في مدينة إسطنبول محضر إنشاء مجلس التنسيق السعودي التركي، وذلك بحضور العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز والرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
وارتفع حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى 8 مليارات دولار سنوياً، بينما بلغ عدد الشركات السعودية العاملة في تركيا 800، فيما بلغ عدد الشركات التركية العاملة في المملكة قرابة 200، بحجم أعمال إجمالي يبلغ 17 مليار دولار أمريكي، ورأسمال يتجاوز 600 مليون دولار.
تركيا وقطر.. علاقات مثالية
في أيار/ مايو الماضي دخل الاتفاق بين تركيا وقطر بشأن الإعفاء المتبادل من تأشيرات الدخول لحملة جوازات السفر العادية حيز النفاذ، في خطوة متقدمة جسدت حجم الثقة التي وصلت إليها العلاقات بين البلدين التي يلتقي قادتهما بشكل مستمر في أجواء حميمية.
ووقع البلدان مؤخراً على اتفاقية لتعزيز التعاون العسكري بينهما، وشملت السماح للقوات التركية بالتمركز في قاعدة عسكرية داخل الأراضي القطرية بهدف تبادل خبرات التدريب العملياتي، وتطوير الصناعات العسكرية، مع إمكانية تبادل نشر قوات مشتركة بين البلدين إذا اقتضت الحاجة.
وبلغ حجم التبادل التجاري بين تركيا وقطر مليار و300 مليون دولار في العام الماضي، في ظل توقعات بتصاعد هذا الحجم، في ظل التعاون المتنامي بين البلدين. بينما يبلغ حجم استثمارات الشركات التركية العاملة في قطر نحو 11.6 مليار دولار، فيما تحتل الاستثمارات القطرية في تركيا المرتبة الثانية من حيث حجمها حيث تبلغ نحو 20 مليار دولار.
وتتطابق مواقف البلدين سياسياً حول أبرز الملفات في المنطقة ومنها ثورات الربيع العربي، والصراع في سوريا والعراق واليمن والانقلاب العسكري في مصر.
على الرغم من حجم الخلافات والتباعد في مواقف البلدين حول أغلب القضايا في المنطقة، سعت تركيا على الدوام من أجل تحسين علاقاتها مع الإمارات لضمان تعزيز أكبر للعلاقات مع مجلس التعاون الخليجي، إلا أن الخلاف حول مصر ظل العقدة الأبرز في هذا الملف.
وعلى الرغم من التحسن الذي شهدته العلاقات بين أبو ظبي وأنقرة والذي تمثل في عودة السفير الإماراتي إلى تركيا في حزيران/ يونيو الماضي، إلا أن العلاقات بين البلدين لم تشهد اختراقاً على الصعيد السياسي مع تحسن ملحوظ في العلاقات التجارية.
وعدا عن زيارة يتيمة لوزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو لأبو ظبي في أبريل الماضي، بقي الجمود والبرود سيد الموقف في العلاقات التي توترت بشكل كبير جداً عقب الانقلاب العسكري في مصر، واتهامات تركية غير رسمية للإمارات بلعب دور سلبي ضد تركيا داخلياً وخارجياً.
وفي هذا الإطار، قالت مصدر دبلوماسي عربي في أنقرة ـ رفض الكشف عن اسمه- لـ»القدس العربي» إن القمة المقبلة بين تركيا ودول الخليج ربما تسهم في تحقيق اختراق حقيقي في العلاقات التركية الإماراتية، لافتاً إلى أن السعودية ساهمت بشكل كبير في التحضير للقمة وتأمل في استثمار علاقاتها مع الجانبين من أجل طي صفحة الخلافات وتوحيد المواقف التركية الخليجية للتركيز على مواجهة التحديات المشتركة، على حد تعبيره.
وخلال الآونة الأخيرة، عززت الشركات الإماراتية استثماراتها في تركيا، حيث افتتحت إعمار العقارية الإماراتية متنزها في مدينة أنطاليا السياحية تبلغ قيمته مليار دولار، بالتعاون مع مجموعة فنادق «ريكسوس» العالمية.
وتستثمر «مجموعة أبراج كابيتال» الإماراتية، التي تدير أصولاً قيمتها 9 مليارات دولار وتمتلك مكتباً في اسطنبول، نحو 900 مليون دولار منذ عام 2007 في السوق التركية، وفقا لبيان سابق للمجموعة.
ومؤخراً، أعلن الأمين العام لوكالة تنمية شرق البحر الأسود «دوكا»، أن شركة إعمار العقارية التابعة لحكومة دبي، تقوم حالياً بإنشاء مشروع سياحي وتجاري ضخم في مدينة طرابزون (شمال شرق تركيا على ساحل البحر الأسود) باستثمارات تقدر بمليار دولار.
القدس العربي