يعرف الكرملين كيفية الكشف عن كل تصدع تستطيع الامبراطورية السوفييتية الدخول من خلاله إلى مناطق الصراع من اجل زيادة تأثيرها. غياب الهدوء الدائم في ليبيا، بعد سقوط القذافي لا يشبه الوضع السائد في سوريا عشية دخول روسيا، لذلك فإن التدخل الروسي هناك لم يصل كما يبدو إلى المستوى الذي وصل اليه في سوريا. وفي نفس الوقت لا يمكن تجاهل عدد من النقاط المتشابهة في الساحتين.
أولا، كان لليبيا مثل سوريا بالضبط في السابق مجتمع مؤيد للسوفييت. روسيا تريد أن تظهر للشركاء في الحاضر والمستقبل أنه خلافا لدول الغرب التي تغير اولوياتها في المنطقة، فإن روسيا بوتين هي حليفة مخلصة ومنهجية ولا تتراجع عن تأييد اصدقائها. «ليس مثل الولايات المتحد. لن نترككم وقت الحاجة»، مثلما يقول الروس، والكثير من القادة يفهمون هذه الرسالة. الرئيس المصري الذي تعلم على جلده تغير الاجواء في واشنطن يفهمها جيدا.
ثانيا، كما حدث في سوريا، فإن حالة الفوضى في ليبيا هي مشكلة في نظر الدول الأوروبية، لذلك يعتقد الروس أن دخولهم التدريجي إلى الساحة لن يواجه معارضة غربية حقيقية. يمكن أن أوروبا ستتحفظ من ذلك، لكن إذا كان استقرار الوضع في ليبيا يضمن تقليص موجة الهجرة إلى أوروبا، فإن أحدا لن يحتج.
ثالثا، الموقع الاستراتيجي لليبيا وسوريا يحول كل واحدة منهما إلى هدف مطلوب.
إن الدخول إلى ليبيا سيمنح روسيا موطيء قدم كبير ودائم في حوض البحر المتوسط، تماما مثلما أن التدخل في سوريا منحها البقاء الدائم في الميناء العسكري في طرطوس. لذلك، دخول روسيا إلى ليبيا، إذا تم، لن يكون حدثا عرضيا.
تبين أن نموذج سوريا هو نموذج ناجح في نظر روسيا، وهذا يدفع روسيا إلى تكراره في ساحة اخرى. في الوقت الذي يكتفي فيه الغرب بمراقبة الاحداث، روسيا لا تتردد من التشمير عن اذرعها واتخاذ موقف. في سوريا كان ذلك تأييد بشار الاسد وفي ليبيا هي تؤيد خليفة حفتر. إن اختيار الشريك بعيد عن الاعتبارات الاخلاقية، وهي غير موجودة لدى أي حزب من الاحزاب المتقاتلة في سوريا وليبيا. روسيا على استعداد للعمل مع كل من يريد العمل معها.
لن يكون مفاجئا إذا رأينا، في اعقاب تدخل روسيا في ليبيا، علاقة بين روسيا ومصر. روسيا تريد الحصول على موقع دائم ايضا في ارض الفراعنة. وفرصة ذلك الآن ضعيفة (المصريون يحرصون على موضوع السيادة). ولكن يمكن لهذا السيناريو أن يحدث في المستقبل. الحديث لا يدور فقط عن الاستعداد للتواجد المادي في هذا المكان أو ذاك، بل الطريقة التي تطمح فيها روسيا لأن ينظر العالم اليها من خلالها. ليس صدفة أنه بعد دخول روسيا العسكري وتحسين مواقعها، تغادر إلى عمليات المصالحة بوساطتها. إن وضع دولة كمقررة أو حلقة وصل في الصراعات هو جزء لا يتجزأ من مميزات القوة العظمى، وهذا بالضبط ما تريده روسيا.
القدس العربي