بعد إحراز الطالبة السورية هاجر قطيفان من محافظة درعا الدرجة الأولى في امتحان الثانوية العامة في الإمارات، ثم تلتها الطالبة تالا أزرق من مدينة حلب لتنال العلامة التامة في مادة الرياضيات باللغة الدنماركية متفوقة بذلك على زملائها الدنماركيين بعد عشرة أشهر فقط من إقامتها في الدنمارك، لتأتي بعدها الطالبة ليلاس الزعيم من مدينة دمشق لتنال العلامة التامة في امتحان الثانوية العامة في النرويج وتكون حكاية الصحف والمحطات النرويجية، وتفتح باب كلية الطب الذي طالما كان حلمها.
ليلاس الزعيم فتاة في العشرين من عمرها، قدمت وأهلها إلى النرويج في تشرين الاول/أكتوبر 2012 بقصد الحصول على بلد آمن شأنهم شأن الكثير من السوريين، ولم يكن هاجس الخوف من بدء حياة جديدة بلغة جديدة وأشخاص جدد بعيداً عنها، وتقول ليلاس لـ «القدس العربي»: كانت صدمة كبيرة لي عندما عرفت أن الشهادة الثانوية هنا عبارة عن ثلاث سنوات، أي أن أصدقائي سيتخرجون وأنا لازلت أدرس الثانوية، وما زاد الوضع سوءًا إجراءات الإقامة واللجوء التي استمرت سنة وثلاثة أشهر متنقلين بذلك بين أكثر من مدينة ابتداء بأوسلو مروراً بهاويغسوند وليس انتهاء بستافانغر التي استقررنا بها حالياً.
وتحكي عن تجربتها في تعلم اللغة من البداية: «من أول يوم جئت فيه إلى النرويج كنت أسمع الكلمة وأبحث عن معناها وأقرأ كتباً وأتابع برامج نرويجية حتى لو لم أفهم شيئاً، إلى أن سجلت بمدرسة وتابعت مرحلتي والمرحلة التي تسبقني بقصد الإطلاع بشكل أكبر على الكلمات الغريبة عني، وما أن أتممت ستة أشهر حتى أنهيت تعلم اللغة، وساعدني تطوعي مع الصليب الأحمر ومتابعة أمور اللاجئين بتقوية مهاراتي اللغوية، إضافة إلى النشاطات المختلفة التي كنا نقوم بها من الذهاب إلى السينما أو مشاهدة فيلم مع العجزة والحديث معهم، في الحقيقة كانت لغتي مضحكة أشبه بلغة الأطفال حديثي الكلام، لكني كنت أعزي نفسي وأقول على الأقل أستطيع أن أرسم ابتسامة على وجوه من حولي، إلى أن بدأت مرحلة التحدي الحقيقية بإنهاء دراستي الثانوية بثلاث سنوات».
ورغم إتقان ليلاس للغة الإنكليزية إلا أنها أدركت أنها لن تتقن النرويجية ما لم تتحدث بها وإن تلعثمت، وعن حكاية نجاحها تقول: «عندما كنت أبدأ بالدراسة كنت أقرأ واجباتي وأعيدها ثم أترجمها، اجتهدت كثيراً لأتمكن من استيعاب ما أدرس وكنت أؤثر الدراسة على أي نشاط لكن هذا لم يمنعني من الذهاب إلى الحفلات والتسوق مع صديقاتي لكن الأولوية دائماً كانت لدراستي».
وعن الصعوبات التي مرت بها تقول ليلاس «المناهج لم تكن سهلة أبداً بل كانت متقدمة وصعبة، كنت أتطلع أمامي وأرى نفسي في مجتمع جديد وسط أناس غريبين وبيئة مختلفة، ووسط هذا لا شيء قد يثبت شخصيتي إلا تفوقي وتميزي وهما رصيدي قد أحسن بهما صورة السوريين من كونهم عالة على المجتمعات الجديدة كما يصفهم البعض، كنت أريد أن أقول نحن أيضاً منتجون، وكلما أنجزت شيئاً كافأت نفسي، أشتري فستاناً مثلاً أو أذهب لزيارة صديقة أو أشتري شوكولا».
وهي ترى أن أبرز ما كان يشجعها على المثابرة هو العدل في المدارس فلكل مجتهد نصيب، في حين قد يسرق تعبك في سوريا ابن مسؤول أو غشاش، وتقول «في سوريا كنت أيضاً مجتهدة لكني كنت أحس بأني مهما اجتهدت فهناك من سيسرق تعبي، أما هنا فأحياناً قد يخرج الأستاذ من القاعة كلها ولا أحد يغش أو يفتح كتاباً».
وتضيف «الأسلوب التعليمي والتسهيلات التي تقدم للطلاب هنا أيضاً ساعداني على التفوق، فالطالب المريض قد يتمكن من إعادة المادة وكذلك من لم يحرز علامات جيدة، إضافة إلى توجيهات الأساتذة والنصائح التي يقدموها لنا بنقاط ضعفنا في أي مادة، حتى أنني خلال ثلاث سنوات لم أحتج لأي مدرس خصوصي».
ثلاث سنوات ونصف السنة أمضتها ليلاس مجتهدة متحدية كل الصعوبات التي قد تكون عائقاً أمامها لتحقق حلمها أخيراً بدراسة الطب، وتختم ليلاس حديثها «كان طموحي الطب والآن أقصى أمنياتي أن أساعد السوريين المتأزمين من هذه الحرب التي أرجو أن تنتهي خلال السنوات الست المقبلة لأني سأجد صعوبة بالعودة إلى بلد لا أذكر فيه إلا الظلم والقسوة».
«القدس العربي»