سليمان نمر بالرغم من ان السعودية ومعها حليفاتها دول الخليج العربية، لم تعلق ولم تعلن عن أي موقف تجاه بدء رفع العقوبات الغربية (لاسيما الأمريكية) عن إيران – عدا سلطنة عمان التي رحبت -، إلا ان من الواضح ان الرياض تشعر تماما ان الاتفاق النووي الغربي مع إيران، وبالتالي رفع العقوبات، انما يصب في النهاية لمصلحة إيران، وزيادة حجم نفوذها في المنطقة.
وإذا كانت الرياض تخفي مشاعر الغضب تجاه رفع العقوبات عن إيران، إلا ان زيادة تشددها السياسي نحو طهران يبدو واضحا منذ الإعلان عن التوصل إلى الاتفاق النووي الدولي.
والسعودية في الحقيقة منذ ان كانت تعلن معارضتها لنشاط طهران النووي وتطالب دول الغرب بالحصول على ضمانات كافية لعدم امتلاك إيران للسلاح النووي، لم تكن وحليفاتها الخليجيات يخشون من امتلاك طهران للسلاح النووي، لان العالم لن يسمح لها أو لغيرها باستخدامه فيما لو نجحت في امتلاكه.
السعودية كانت ترى ان إيران إذا امتلكت السلاح النووي فانها ستستخدمه كورقة لتعزيز دورها الإقليمي دوليا وسيزيد من اختلال موازين القوى الإقليمية (المختل أساسا لصالح إيران منذ ضرب نظام صدام حسين وحصاره وبعد ذلك اسقاطه واحتلال العراق).
وإذا لم تمتلك إيران السلاح النووي وتوصلت إلى اتفاق مع الغرب بشأن وقف نشاطها النووي، فان ثمن ذلك سيكون فك العزلة الدولية السياسية عن النظام الإيراني ورفع العقوبات الاقتصادية وعودة الاستثمارات الغربية وعشرات المليارات من الدولارات المحتجزة عند الغرب.
ولاشك ان هذا كله سيعزز قوة إيران الاقتصادية والمالية بشكل يجعلها قادرة على الصرف بسخاء على مشروعها لفرض الهيمنة على المنطقة.
ولاشك ان السعوديين يشعرون بالغضب الأشد مع بدء رفع العقوبات عن إيران لانه جاء في الوقت الذي تتصدى فيه السعودية و»بحزم» للمشروع الإيراني مستخدمة بذلك أهم أسلحتها وهو سلاح النفط، حيث ان السعودية التي بدأت سياسة تخفيض أسعار النفط ، بداية من أجل ضرب مشاريع إنتاج النفط الصخري الذي أخذ يزاحم في إنتاجه حجم الإنتاج السعودي في الأسواق، ولكنها أرادت أيضا ان تقلل العوائد المالية لإيران وتضرب اقتصادها من وراء ذلك حتى تصبح غير قادرة على الصرف على مشروعها للهيمنة على المنطقة.
وبالفعل يبدو ان سياسة السعودية بتخفيض أسعار النفط وانعكاس ذلك على إيران بالانخفاض الكبير لعوائدها المالية، هو الذي جعل طهران مضطرة لتوقيع الاتفاق النووي مع الغرب وفق شروط كانت ترفضها من قبل، بعد ان بدا ان هذا السلاح بدأ يعطي بعض النتائج في ساحة المواجهة السعودية الإيرانية على حساب طهران.
ورغم «الضمانات الأمريكية والغربية للسعودية ودول الخليج بالاستمرار في حماية المنطقة ضد أي تهديدات إيرانية، ورغم التصريحات المتعددة للرئيس باراك أوباما وغيره من المسؤولين الأمريكيين من ان رفع العقوبات عن إيران لا يعني السماح لها بالتدخل في شؤون الدول الأخرى» إلا ان القيادة السعودية الجديدة ترى انه لا أحد يمكن ان يحارب معركتك ضد أطماع الآخرين سوى أنت.
وهذا ما بدا حين شنت السعودية حرب «عاصفة الحزم»على رأس تحالف لضرب الحوثيين وطرد التسلل الإيراني عن الحدود الجنوبية للمملكة، وهذا ما يبدو من المواجهة التي تخوضها السعودية ضد إيران ونفوذها في سوريا بالعمل على اسقاط نظام الرئيس الأسد حتى ولو بتدخل عسكري، وهذا ما يبدو من الموقف المتشدد الذي تتخذه الرياض تجاه طهران بعد أزمة إعدام رجل الدين السعودي والشيعي نمر باقر النمر واحراق مبنى السفارة السعودية في العاصمة الإيرانية.
ويلاحظ مراقبون سياسيون في الرياض، انه في الوقت الذي بدلت فيه إيران سياسة التصعيد ضد السعودية، وبدأت في تهدئة الزوبعة التي أثارتها بعد إعدام نمر باقر النمر، تقوم السعودية بتصعيد هجومها السياسي والدبلوماسي والإعلامي ضد إيران.
وتبدلت تصريحات قادة إيران الرسمية خلال الساعات القليلة الماضية من الهجوم الحاد على المملكة إلى انتهاج سياسة التهدئة معها.
فيوم الاربعاء الماضي، أدان المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، علي خامنئي، للمرة الأولى الهجوم على سفارة المملكة في طهران، قائلا إنه كان «سيئا بالفعل وأضر بإيران والإسلام».
وفي اليوم نفسه اعتبر وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، الاعتداء على السفارة السعودية في العاصمة طهران بأنه «عملية استهدفت أمن وسيادة بلاده»، مؤكدا أنه «لا توجد أي مصلحة لطهران في تصعيد التوتر مع الرياض».
ويوم أمس أعلنت إيران عن «اعتقال العقل المدبر للاعتداء على السفارة السعودية واحراقها في طهران».
في حين واصل وزير الخارجية السعودي عادل الجبير الذي يقود الحملة السعودية على إيران هجومه على طهران رافضا اعتذارها، موضحا في تصريحات صحافية أن «المطلوب من إيران حالياً ليس مسألة اعتذار فحسب بل أن تغيّر سياساتها والالتزام بمبدأ حسن الجوار، وعدم دعم الميليشيات التي تقوم بقتل الأبرياء في دولهم، وعدم ممارسة الاغتيالات، واحتضان زعامات إرهابية».
وأضاف «إن أرادت إيران أن تكون دولة محترمة في المجتمع الإسلامي والعالم بشكل عام، عليها تحسين صورتها، وعدم التدخل في شؤون المنطقة وإشعال فتنة طائفية، وعدم حماية البعثات الدبلوماسية، ونأمل أن تستطيع العيش وفق مبدأ حسن الجوار».
ويرى مراقبون دبلوماسيون في الرياض ان السعودية استطاعت ان تحقق انتصارات سياسية ضد إيران بموضوع رد الفعل الإيراني المعادي للسعودية على إعدام رجل الدين نمر النمر الذي حاولت فيه تأليب المجتمع الدولي ضد السعودية واستثارة الرأي العام «الشيعي»على السعودية .
ويرى هؤلاء المراقبون ان طهران ارتكبت «خطأ فادحا» حين لم تمنع الهجوم على السفارة السعودية في طهران وعلى القنصلية في مشهد، والذي تبين من إعلان السلطات الإيرانية القبض على «العقل المدبر» للهجوم على السفارة السعودية انه كان مدبرا بالفعل.
وهذا الخطأ الفادح هو الذي جـــــعل السلطات الإيرانية تتراجع وتبدي اعتذارها وإدانتها، ولكن الرياض تـــرى ان هذه الاعتذارات ليست سوى «احناء الرأس لحين مرور العاصفة» التي سببتها التصرفات الإيرانية «الرعناء» بالاعتداء على السفارة والقنصلية السعوديتين، والتي أثارت سخطا سياسيا عربيا وإسلاميا ودوليا على طهران.
وترى الرياض ان إيران تخوض معركة شرسة ضدها على الأرض في اليمن حيث انها ما زالت تعمل على توفير الدعم والمساعدات العسكرية بشتى الوسائل للمتمردين الحوثيين والرئيس المخلوع علي صالح، وانها تنجح بذلك رغم الحصار الجوي والبحري المفروض ، واستمرار هذه المساعدات هو الذي يجعل المتمردين قادرين حتى الآن على «الصمود» في وجه الضريات العسكرية الشديدة التي وجهتها لهم القوات السعودية وقوات السلطة الشرعية لهم.
والسعودية التي تبحث عن انتصار عسكري في حربها في اليمن لاشك انها تنظر بعين الغضب إلى الدعم الإيراني للمتمردين في اليمن حتى يجهضوا الانتصار السعودي المأمول، وبالتالي ستبقى المواجهة بين طهران والرياض مستمرة حتى ولو أبدى الإيرانيون الاعتذار والاعتدال وهذا «عكس ما يبطنون» كما يقولون في الرياض.
القدس العربي