مع إعطاء أولى الإشارات على بدء التحضيرات للعملية العسكرية التي تهدف إلى طرد تنظيم «الدولة» من الرقة التي تعتبر بمثابة عاصمة التنظيم في سوريا، اشتعلت الحرب الدبلوماسية بين تركيا والتحالف الدولي في محاولة لكسب موقع قيادة العملية ومنع الوحدات الكردية من تصدر المعركة الأبرز في سوريا والتي ستمكن قائدها من بسط نفوذه على الأراضي المحررة من التنظيم.
وعلى غرار ما حصل في مناطق أخرى في سوريا، حظي الطرف الذي تمكن من طرد تنظيم الدولة من أي منطقة بنفوذ كامل فيها، وهو الأمر الذي دفع تركيا للزج بكل قوتها السياسية والعسكرية من أجل تصدر المعركة وضمان نفوذ أكبر في مناطق غرب نهر الفرات بشمالي سوريا، وعدم خسارة هذا النفوذ لصالح أطراف أخرى.
وبينما يسعى التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة إلى منح قيادة المعركة إلى قوات سوريا الديمقراطية التي تتكون في أغلبها من الوحدات الكردية التي تعتبرها أنقرة منظمة إرهابية، تعمل تركيا من أجل استبعاد هذه الوحدات والزج بقواتها العسكرية ومسلحي الجيش السوري الحر الموالي لها للقيام بالمهمة وضمان عدم تمدد الوحدات الكردية غرب الفرات.
والخميس، أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن جيش بلاده يتقدم نحو مدينة الباب الإستراتيجية في شمالي سوريا، لافتاً إلى أن الهدف المقبل سيكون مدينة منبج وبعد تحريرها سيتم التوجه نحو مدينة الرقة المعقل الرئيسي لتنظيم الدولة في سوريا.
وفي تصريح غير واضح أطلقه على هامش كلمة عامة في العاصمة أنقرة، أضاف أردوغان: «في الأمس تحدثت (هاتفيًا) مطولاً مع السيد أوباما، وقلت له إننا سنتخذ خطوات في هذا الإطار»، وذلك في إشارة إلى الاتصال الهاتفي الذي جرى بين أردوغان والرئيس الأمريكي باراك أوباما، في ساعة متأخرة من مساء الأربعاء.
وشدد الرئيس التركي على أهمية «تجفيف موارد الإرهاب في مصادرها»، وقال: «لن نقف مكتوفي الأيدي حيال أي خطر يهدد وجودنا»، وشدد على أن بلاده لن تحتاج «لتنظيم «ب ي د» الإرهابي الذراع السوري لمنظمة «بي كا كا» الإرهابية، أو «ي ب ك» الجناح المسلح للأول في عملية تحرير مدينة الرقة السورية»، وأضاف: «قلت لأوباما فلنقم نحن معاً بالعملية ونطهر المدينة (الرقة) من داعش».
وكان بيان للرئاسة التركية، أوضح أن أردوغان، ونظيره أوباما اتفقا على ضرورة عدم السماح لمنظمة «بي كا كا» بالتمركز شمالي العراق، وأعادا التأكيد على عزمهما الاستمرار في مكافحة تنظيم «الدولة»، خاصة في سوريا والعراق. بينما قال البيت الأبيض إن أوباما أشاد بجهود تركيا في الحرب على الإرهاب. وجاء في البيان: «أوباما أشاد بمساهمة تركيا، حليفتنا في حلف شمال الأطلسي، في الحملة ضد داعش، خصوصاً دعم القوات المحلية السورية الذي سمح بالتخلص من التنظيم على الحدود التركية في شمال غرب سوريا».
من جهته، قال وزير الدفاع التركي فكري إيشيق، إن الجيش السوري الحر يمكنه بمساعدة من تركيا أن يكون بديلاً عن «ي ب ك» في معركة تحرير مدينة الرقة السورية، وذلك عقب اجتماع عقده إيشيق مع نظيريه الأمريكي والفرنسي، في العاصمة البلجيكية بروكسل. وأكد إيشيق أن تركيا لديها القوة الكافية والخبرة اللازمة لإعداد بديل للقيام بالعملية دون إشراك قوات «ي ب ك» الجناح المسلح لتنظيم «ب ي د» الذي تقول تركيا إنه الذراع السوري لمنظمة بي كا كا الإرهابية.
وأشار إلى أن قوات الجيش السوري الحر أثبتت كفاءتها وقدراتها القتالية خلال عملية درع الفرات التي أطلقها الجيش التركي، لدعم الجيش السوري الحر في تحرير مدينة جرابلس من قبضة الدولة، وأنه يمكنها تنفيذ عملية تحرير الرقة بدعم من تركيا دون الحاجة إلى إشراك الوحدات الكردية.
وفي السياق ذاته، أكد وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، عن ضرورة تحرير الرقة من سيطرة «الدولة» على يد القوات المحلية في سوريا، مشدداً على أن تنظيم «ب ي د» لا يمكن أن يكونا ضمن القوات المشاركة.
وكانت تركيا عرضت تحرير مدينة منبج من التنظيم، إلا أن الولايات المتحدة أصرت على دعم قوات سوريا الديمقراطية للقيام بالعملية وحثت تركيا على دعمها بعد أن وعدتها بسحب جميع الوحدات الكردية من المدينة عقب انتهاء العملية، ولكن وعلى الرغم من مرور عدة أشهر على تحرير المدينة ما زالت الوحدات الكردية تنتشر بالمدينة وهدد أردوغان ووزير دفاعه بالتدخل عسكرياً لطرد هذه الوحدات إذا لم توف الإدارة الأمريكية بتعهداتها
قائد قوات التحالف الدولي الفريق ستيفن تاونسند، عبر الأربعاء، عن أمله في بدء عملية عسكرية خلال وقت «قريب جداً» لتحرير مدينة الرقة، وأشار إلى أن «قوات سوريا الديمقراطية» مستعدة للمشاركة في هذه العملية. وقال تاونسند: «أعتقد أنه من الأهمية بمكان أن نبدأ بعزل الرقة، لنتمكن من التحكم بالمحيط في وقت قريب جداً؛ لذا سنقوم بدفع القوة التي لدينا (سوريا الديمقراطية)، وسنذهب إلى الرقة قريباً مع تلك القوة».
واعتبر المسؤول العسكري الأمريكي أن «قوات سوريا الديمقراطية» هي «القوة الوحيدة» القادرة على بدء حصار الرقة خلال فترة زمنية قصيرة. «تاونسند» أكد تفهمه لقلق حليفهم التركي من مشاركة قوات «ي ب ك» في عملية تحرير الرقة، مشيراً إلى أن بلاده «تتفاوض وتخطط وتتباحث مع تركيا» بخصوص مشاركة التنظيم الذي تصنفه بالإرهاب في هذه العمليات.
وقال وزير الدفاع الأمريكي اشتون كارتر ونظيره البريطاني مايكل فالون، الأربعاء، إن الهجوم لاستعادة الرقة سيبدأ «في الأسابيع المقبلة»، وأضاف «خططنا منذ زمن بعيد ونحن قادرون على دعم الهجمات على الموصل والرقة في آن».
وعن القوات المشاركة، قال الوزير الأمريكي: «كما في معركة الموصل المبدأ الاستراتيجي يملي أن تكون قوات محلية فعالة ومتحمسة». كما قال في مناسبة أخرى عقب لقائه وزير الدفاع التركي: «نعمل بشكل كبير مع الجيش التركي في سوريا. أعطى ذلك نتائج مهمة جداً مع الاستيلاء على دابق».
واعتبر وزير الدفاع الفرنسي جون إيف لو دريان، أن التحالف الدولي ضد «داعش» يجب أن يتعاون مع تركيا في إطار عملياتهم العسكرية في سوريا والعراق، وقال: «يجب أن تتوافق أهدافنا مع تركيا».
اسماعيل جمال – القدس العربي