ألقت الحرب المستمرة منذ خمس سنوات في سوريا بظلالها الثقيلة على الأطفال، الذين نالوا الحصة الأكبر من آثارها السلبية، وخلفت تبعات نفسية واجتماعية تجلت في تفاصيل حياتهم اليومية.
ذاكرة مليئة بمشاهد الدمار والقتل يحملها آلاف الأطفال السوريين، لاسيما هؤلاء الذين عاينوا القصف وتعرضوا للقصف والتهجير من منازلهم ومدارسهم وفقدوا ذويهم.
مخيمات النازحين في الداخل شهدت في الآونة الأخيرة تنامي ظاهرة السلوك العدواني للأطفال الذي انعكس على حركاتهم وكلامهم، ويخشى الأهالي من تنامي الظاهرة في ظل انخفاض عدد المختصين النفسيين لمعالجة هذه الحالات. عاش الأطفال في مناطق سيطرة المعارضة خلال السنوات الماضية أوضاعا صعبة جراء قصف قوات النظام، ثم وجدوا أنفسهم في رحلة نزوح لينتهي بهم المطاف في مخيمات لم تمنع تدهور حالتهم النفسية.
واتفق مسؤول في أحد المخيمات ومتخصصان التقتهم الأناضول على أن الدعم النفسي للأطفال بات من الأمور الملحة التي يسعى القائمون على مراكز الإيواء لتوفيرها «كي لا تتحول الأخيرة إلى بؤر يخرج منها أجيال سيئة تضر بمجتمعاتها».
إسماعيل زيتون المدير الإداري لمخيم سجو للنازحين بريف حلب الشمالي بالقرب من الحدود السورية التركية قال إن «إدارة المخيم لاحظت في الآونة الأخيرة تنامي الروح العدائية لدى الأطفال، وبان ذلك على تصرفاتهم»، مشيراً إلى أن «الظاهرة لم تقتصر على الذكور بل شملت الإناث أيضاً».
وأضاف أن «العدوانية في سلوك الأطفال يمكن ملاحظتها بسهولة، فهم يتعاملون مع بعض بقسوة، و يتشاجرون كثيراً، ويتصرفون بتهور وشراسة، فلدى دخول سيارة إلى المخيم يتوجهون نحوها يدون وعي لخطر الارتطام بها».
ولفت زيتون إلى أن «جل ألعاب الأطفال في المخيمات تتمحور حول الحرب، كما أنهم عدائيون حتى مع الذين يكبرونهم عمراً، فالكثير منهم يرد بفظاظة في حال الحديث معهم أو تنبيههم لأمر ما».
وتطرق إلى ضعف برامج الدعم النفسي في هذا الإطار قائلا «قليل من المنظمات الإنسانية العاملة في سوريا تبنهت للأمر، وعينت أخصائيين نفسيين للحد من الظاهرة، ويجب الإسراع في تعميم الخطوة على جميع المخيمات في الأراضي السورية».
واعتبر علي ويسي مدير المكتب النفسي لمنظمة «شام الإنسانية» (غير حكومية) أن «ظروف الحرب تركت آثاراً سلبية في نفوس الأطفال كرد فعل على مشاهد الحرب والدمار التي يرونها يومياً، وولدت لديهم الحس العدائي تجاه المجتمع المحيط بهم».
وأشار إلى أن «منظمتهم طبقت عددا من البرامج استهدفت الأطفال بشكل أساسي، منها برنامج القيم السلوكية والإجتماعية و برامج لمعالجة بقصور الانتباه وفرط الحركة المعروفة بـ (ADHD)».
وبحسب استشاريين في الطب النفسي، تبدأ ملاحظة أعراض «ADHD» بين الثانية والثالثة من العمر، وتشمل صعوبة في انتباه الطفل لما يجري حوله، وبعده عن التفاعل مع الواقع، وسرعة التشتت بسبب أي صوت أو حركة في المحيط إضافة إلى كثرة الحركة والكلام ولا يصبر لأخذ دوره في أي شيء.
وأقر ويسي بالنقص الحاصل في الكوادر المتابعة للظاهرة قائلا «لدينا ثلاثة معالجين نفسيين فقط في مخيم سجو الذي تقطنه 1200 عائلة، فضلا عن أن المراكز النفسية الموجودة في المخيمات تفتقر بشكل عام إلى برامج متطورة قادرة على إعطاء نتائج أفضل وتترك أثراً طيبا في نفسية الأطفال».
«حسين ويسي» المعالج النفسي في منظمة «شام الإنسانية» في مخيم ضاحية سجو، شرح ظاهرة السلوك العدواني للأطفال قائلاً إن «هذا السلوك هو أبرز الحالات التي تصلنا، وهي على نوعين اللفظي والجسدي»، مشيراً الى أن «قسوة الشروط في المخيمات وإهمال الأهل بسبب انشغالهم بتأمين لقمة العيش هي أبرز مسببات الحالة».
وبين أن من أبرز الطرق التي يتبعونها في ظل إمكاناتهم المحدودة للمعالجة «خلق جو مناسب للعب الطفل ودفعه نحو الرسم لتفريغ طاقته الإنفعالية، وحثه على التعاون بدل التنافس، إلى جانب إقامة جلسات توعية للأهالي حول أفضل الأساليب والطرق المثلى لتنشئة الأطفال نشأة صحيحة».
وبحسب تقرير صدر عن الشبكة السورية لحقوق الإنسان (منظمة حقوقية تعرف نفسها بأنها مستقلة) في حزيران/يونيو الماضي فإن عدد النازحين في سوريا بلغ نحو 7.475 مليون شخص، 45% منهم من الأطفال.
وأوضح التقرير أن قسماً من النازحين انتقل إلى مناطق النظام وآخر إلى المدن والبلدات الخاضعة لسيطرة المعارضة فيما سكن البقية المخيمات .
(الأناضول)