تدّعي أغلب الأطراف الموغلة في الدم السوري أنها تخوض حربا مقدّسة وشرعية ضد عدو أكبر يقف في خلفية المشهد ويعمل على تحريكه، وهذا الطرف هو الولايات المتحدة الأمريكية، وبالتالي فإن هذه الأطراف المتدخلة في الحرب على السوريين إنما تحارب أمريكا، وإن بطريقة غير مباشرة، وينطبق هذا الأمر بدرجة كبيرة على روسيا وإيران وأذرعها في المنطقة، فهل هذه الأطراف مقتنعة بالفعل أنها تحارب أمريكا من خلال قتلها للشعب السوري الثائر في سبيل حقه في الحياة والعيش الآدمي؟
ليس من الصعب، وبالارتكاز على تحليل سلوك وأهداف تلك الأطراف إثبات زيف إدعاء محاربة أمريكا من خلال الحرب على السوريين، وربما لسبب بديهي أن أمريكا نفسها، وبالوقائع الساطعة، ليست معنية بسوريا وأزمتها، إضافة إلى أنها لم تبذل أي مجهود حقيقي للوقوف إلى جانب السوريين، بل على العكس من ذلك فقد ساهمت في زيادة نكبة السوريين وتقوية منظومة الأسد ضدهم من خلال تغاضيها المستمر عن سلوكه الإجرامي تجاههم، أما فيما يخص الأطراف المقابلة المنخرطة في الحرب التي تدّعي أنها تواجه أمريكا ومشاريعها، في المنطقة والعالم، فإنها تمارس هذا الأمر باعتباره تقية تخفي وراءها الحسابات والتقديرات الحقيقة لانخراطها في الحرب والمتمثلة بـ:
– إدراك جميع اللاعبين المنخرطين بالحرب السورية “روسيا إيران والميليشيات الطائفية من لبنان والعراق” أن رفع شعار الحرب على أمريكا هو تطبيق لقاعدة كلاسيكية في السياسة محتواها إذا أردت أن تلهي الداخل عنك فعليك أن تشغله بالحرب الخارجية، فالعدو الخارجي الذي يهدد المصالح والأمن والاستقرار غالبا ما يشكل وسيلة تحفيز للمشاعر الداخلية وقبول الشعب بأي ظرف طالما أن نظامه أو ولي أمره يخوض معركة التحدي والكرامة، جميع اللاعبين الذين يخوضون الحرب السورية يتقاطعون عند نقطة وجود أزمات داخلية مستفحلة تتمثل بعدم الرضا السياسي من الأتباع نتيجة الإدارة العامة لسياسات الحكم والسلطة وتوزيع الموارد وإدارة الثروات.
– اعتقاد جميع اللاعبين أنهم إزاء فرصة إستراتيجية تتمثل بتحسين واقعهم بتكاليف مقبولة ويستطيعون تحمّلها، نتيجة حالة الفوضى التي يمر بها النظام الدولي عموما، ووجود هامش للحركة يسمح للاعبين الإقليميين والمحليين التحرك في إطاره ضمن مجال حركة محدّد ومسموح به، أي أن الأمر له علاقة بحسابات إستراتيجية لا يدخل في إطارها احتساب مواجهة أمريكا لأن ذلك سيجعل تكاليف المواجهة غير محتملة وممكنة وينزع عنها البعد الربحي المتوقع.
– جميع اللاعبين، بما فيهم روسيا، تحرك سياساتهم أبعاد دينية لا علاقة لها بالصراع مع أمريكا ويدمجون البعد الديني في سياساتهم بشكل واضح، ولا يخفون مخاوفهم من حصول تغيرات في بنية الحكم في سوريا تؤثر على واقع التركيبة المذهبية السلطوية الحالية، ولا تخفي إيران هذا البعد من خلال ادعائها الدفاع عن العتبات المقدسة في سوريا.
– وأخيرا، إدراك اللاعبين أن سوريا تقع خارج إطار الاهتمام الإستراتيجي الأمريكي، وأن أمريكا وفي ظل إعادة تموضعها العالمي الراهنة وما أفرزته من توجهات جديدة يستحيل حصول تصادم معها في سوريا، وأن الكلام الذي يقال عن احتمالية اندلاع حرب أمريكية- روسية على خلفية الأوضاع في سوريا وبسببها ما هو إلا مجرد دعاية الهدف منها إضفاء مناخ من التشويق لتدعيم ادعاءات تلك الأطراف بخوضها حرب وجود ضد الشعب السوري.
وعلى العكس من ذلك، تتواطأ أمريكا مع هذه الحالة لغايات مصلحية خالصة لا علاقة للشعب السوري وثورته بها، قد يكون من بينها إستنزاف الروس والإيرانيين، وقد يكون إنهاك جزب الله إلى أبعد، لكن ذلك الأمر يجري بعيداً عن أي شكل من أشكال التصادم بين الطرفين، فلم يحصل أن جرى استهداف القوى التابعة لإيران وروسيا بطريقة منهجية ومعلنة، ولا يمكن وضع الخطأ الذي وقع باستهداف معسكر لأذرع إيران في دير الزور في إطار الحرب الأمريكية على هذه الأطراف.
على مدار الأعوام السابقة، كشقت الحرب السورية مواقف ومواقع الأطراف، وبأثر رجعي أيضاً، فأعاد الذاكرة تحليل ما حصل قبل الثورة السورية من مواقف وادعاءات ووضعها في سياقها الصحيح، ليتبين حجم الخرافات التي عملت تلك الأطراف على زرعها في وعي شعوب المنطقة، وتبين أن المقصود من وراء كل ذلك المجهود تبرير وشرعنة الأهداف المبيّتة، بعد تكريس قداسة الفاعلين لها باعتبارهم لا يخطئون وأن الطرف المستهدف من قبلهم، مهما تكن قضيته، هو المخطئ حتماً لأنه يقف عائقاً في طريق حروبهم المقدسة، من هنا كان سهلاً على أمين عام حزب الله أن يقول بأن طريق القدس تمر من الزبداني ومضايا.
لا ينطبق مع العقل، القول إن هذه الأطراف تحارب أمريكا، ومن خلفها إسرائيل، إلا إذا كان التهجير الديمغرافي لشعب سوريا وإحلال آخرين مكانهم هو مصالح أمريكية وإسرائيلية يتم ضربها، أو إذا تم اعتبار قتل أطفال حلب بالفوسفور والنابالم ومحاصرة أهل مضايا حتى الموت جوعاً هو ضرب لمصالح أمريكا وإسرائيل، حينها قد نحتاج إلى عقل منحرف وضمير مخروم حتى نصدق هذه الكذبة.
غازي دحمان_عربي21