يبدو أن الوقت حان فعليا ليرحل بشار الأسد عن سدة الحكم، ولعله شخصيا بات مقتنعا أنه من المستحيل أن يخرج مما يسميه بالمعركة الوجودية منتصرا، بل إنه قد يكون منفتحا على مبادرة من نوع ما تضمن بقاءه وعائلته حيا، وهو يستعرض ربما مآل معمر القذافي وهو بكل تأكيد لا يريد أن يصل إلى تلك الخاتمة، وقد أبدى حلفاؤه الروس، على غير العادة، مرونة في مناقشة مصيره، وقدموا له منفي في بلادهم، وكانت موسكو قد تصدرت المشهد خلال السنوات الأربع الماضية باعتبارها صاحبة القرار الأول في السياسة الخارجية لنظام دمشق، ولعب وزير خارجيتها سيرغي لافروف في مرات عديدة دور وزير خارجية النظام، فلم يكتف بالدفاع عن الأسد في حربه ضد الشعب السوري، بل اعتبر أن ما تقوم به قوات النظام يخدم السلام العالمي ويساهم في محاربة ما تصفه موسكو بالإرهاب، وقد ترافق الضوء الأخضر الذي جاء من موسكو مع مبادرة حملها المبعوث الأممي للسلام في سوريا ستيفان دي ميستورا تتضمن قبول الأسد بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة تضمن خروجه من السلطة بشكل يحفظ ماء وجهه، ويجنب البلاد مزيدا من الانزلاق في أتون الصراع المسلح الذي لا يملك أحد قرارا بإيقافه.
لكن زوال الأسد من الصورة سيساهم في توجيه السلاح إلى جهة واحدة وهي تنظيم داعش الذي فقد بدوره الكثير من قدراته بعد هزائمه الأخيرة في الشمال السوري، بل وربما بدء هزيمته في العراق، وقد بدأت واشنطن تفكر، بشكل جدي، بإنهاء هذا الملف الشائك الذي تسببت طريقتها الرخوة بمعالجته في استفحاله وتحوله إلى خطر يهدد المنطقة بأكملها، وإن كان الأسد ادعى منذ بداية الثورة بأنه الوحيد القادر على هزيمة من يسميهم بالمتطرفين الذين ساهم نظامه بانتشارهم، فإن الأحداث الأخيرة نزعت عنه هذه الميزة، وأثبتت أنه غير قادر على التصدي لهم، بل إنه يعمل على مساعدتهم، وهذا ما حدث إبان قيام تنظيم داعش باحتلال مدينة تدمر دون أن يواجه مقاومة من قوات النظام التي قامت بإخلاء المدينة وتسليمها بالكامل، يضاف إلى ذلك فقدانه صفة حامي الأقليات التي كان يتفاخر بها خاصة بعد أحداث مدينة السويداء التي تقطنها أغلبية درزية رفضت المشاركة معه في حربه ضد الشعب السوري، وأعلن الكثير من أبناء الطائفة امتناعهم عن الانضمام إلى قواته.
وأمام هذه التفاصيل كلها لم يبق لدى الأسد شيء ليفاوض عليه، سوى سلامته الشخصية مقابل تخليه السريع عن السلطة، ولكن لماذا تريد موسكو التخلي عن الأسد؟
من الواضح أن موسكو ورغم ظهورها الدائم بمظهر القوي القادر على إدارة الدفة كيفما يشاء إلا أنها باتت تعيش عزلة دولية، وقد أقصي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن الاجتماع الأخير للسبعة الكبار الذي عقد في ألمانيا، وتناقش المجتمعون بعيداً عنه، فلم تجد بداً من الانفتاح على الرياض التي قام ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بزيارة إلى موسكو يقول المعلن منها أن الكرملين جاد بالانفتاح من جديد، وأنه يريد أن يكون شريكا بدل أن يعتبر عدوا في المنطقة التي تستطيع التأثير في رسم السياسة العالمية خلال السنوات المقبلة.
في ثمانينات القرن الماضي كتب الشاعر العراقي الراحل محمد مهدي الجواهري قصيدة مديح للرئيس السوري حافظ الأسد، تحولت فيما بعد إلى شعار يكتب على الجدران وقد تغنى بها المغنون، كان مطلع القصيدة يقول سلاما أيها الأسد، لكن ومنذ بداية الثورة السورية ضد الوريث بشار الأسد استبدل السوريون ذلك الشعار بعبارة ارحل يا بشار، ويبدو أن قصيدة الجواهري ستطوى إلى الأبد خلال الفترة القادمة.
صحيفة العرب