لطالما بقي سقوط مطار الطبقة العسكري في محافظة الرقة بيد عناصر ما يسمى تنظيم “الدولة الإسلامية” محط جدل ونقاشات مطولة، خصوصاً فيما يتعلق بالنهاية المأساوية لعناصر قوات النظام الذين قتل المئات منهم إعداماً على يد “تنظيم الدولة”، فيما حاول النظام التكتم على خيانات الضباط للجنود وإيضاح أن سقوط المطار أمر رتب له، وذلك خشية النظام من سخط المؤيدين له، المحتقنين أصلاً من تزايد أعداد قتلى أبنائهم في جيش الأسد.
“السورية نت” حصلت من مصادر خاصة على وثيقة من داخل فرع الأمن العسكري بحمص، تكشف كيف سلّم ضباط النظام المطار لعناصر “تنظيم الدولة” وعلى رأسهم اللواء “عادل عيسى” قائد الفرقة 17، وتعرض الوثيقة شهادات بعض الجنود الذين كانوا حاضرين في مطار الطبقة، تحدثوا لفرع الأمن العسكري عن الأحداث والحيثيات التي أدت إلى سقوط المطار ومصرع المئات من قوات النظام.
وتبين الوثيقة أن فرع الأمن العسكري أجرى تحقيقه مع 10 جنود، 8 منهم كانوا يقاتلون في المطار، و2 يتبعون للأمن العسكري أرسلوا قبل أيام من سقوطه بيد عناصر “تنظيم الدولة”. وبحسب الوثيقة فإن الجنود أبدوا تخوفهم من ذكر أسمائهم الحقيقة في التحقيق، ولذلك اعتمد التحقيق على ذكر أسمائهم المستعارة، مع الإشارة إلى أن المحققين أخبروا قادتهم بأنهم سيرفقون الأسماء الحقيقية للجنود في تقارير لاحقة.
وتكشف الوثيقة المسربة أن أوامر الانسحاب من المطار وصلت إلى كتائب دون أخرى، وأن الضباط الكبار المسؤولين عن قيادة الجنود، تركوهم بعد إعطاء أوامر الانسحاب في ميدان المعركة بدون قادة ولا توجيه، ويشير كلام الجنود الذين حُقق معهم أن ضباط النظام أمروهم بالانسحاب على الرغم من تواجد الذخيرة وبشكل كبير.
“جلال” وهو اسم مستعار لأحد الجنود الذين تحدثوا عن كيفية سقوط المطار، ويقول بحسب ما جاء في الوثيقة:
” في صباح يوم … لاحظنا أن العقيد المسؤول عن كتيبتنا مرتبك وهو العقيد عيسى فاضل، حيث كان يتصل بقيادة المطار دون أن يتلقى أي رد، وفجأة جاء إلينا بينما كنا متمركزين في مواقعنا، وقال لنا عليكم الانسحاب بسرعة فقد سقط المطار. ولدى سؤالنا له ماذا يجري وكيف سننسحب قال بالحرف الواحد: ابني انسحاب ((كيفي))، دبر راسك، المدرجات سقطت ووحدات الحماية راحت وما ضل غيرنا، وبعدها جاءت سيارة جيب عسكرية وركب فيها وخرج وتركنا دون قيادة”.
وأضاف “جلال”: “مما تسبب بإرباك شديد بيننا، وبدأ الجنود يحملون ما خف حمله ويركضون باتجاه الجنوب عبر خندق كنا قد حفرناه سابقاً، ويتجهون نحو مزرعة العجراوي، وفجأة بدأ الضرب علينا من الخلف وإذا بسيارات داعش خلفنا على مسافات بعيدة وبدأ تبادل إطلاق الرصاص، وقد استفدنا من طبيعة الأرض وأعدادنا الكبير فلم يلحقوا بنا، بل اكتفوا بضربنا من بعيد بالمدفعية المضادة للطيران والهاون والرشاشات الخفيفة والمتوسطة”.
ولدى سؤالنا له ماذا يجري وكيف سننسحب قال بالحرف الواحد: ابني انسحاب ((كيفي))، دبر راسك، المدرجات سقطت ووحدات الحماية راحت وما ضل غيرنا، وبعدها جاءت سيارة جيب عسكرية وركب فيها وخرج وتركنا دون قيادة”.
ويكمل “جلال” خلال التحقيق أنه بعد وصول نحو 300 إلى 325 جندياً من قوات النظام إلى مزرعة العجراوي، نفذت من أغلبهم الذخيرة، ما اضطر قسم كبير منهم إلى الانسحاب باتجاه قرية “إثرية”، ويشير الجندي “جلال” إلى أنه اضطر ورفاقه إلى الانسحاب وهناك كانت المشكلة الكبرى.
ويقول جلال بحسب ما ورد في الوثيقة المسربة: “هنا كانت المشكلة الكبيرة، حيث أننا انسحبنا على مجموعات، بعضنا يركب سيارات وبعضنا الآخر سيراً على الأقدام، وأنا وزميلي كنا ممن ركبوا سيارة بيك آب هونداي، وكان عددنا في السيارة حوالي 20 شخص بيننا 5 أشخاص مصابين _ وأشار إلى زميل له من مدينة السويداء وكان مصابا في السيارة وقد اكد جميع ما قاله (جلال)”.
وتشير الوثيقة إلى خوف قوات النظام المنسحبة من دخول بيوت الرحل والبدو خشية تسليمهم إلى “تنظيم الدولة”. ويؤكد كلام “جلال” أن قوات النظام خسرت الكثير من الجنود أثناء انسحابها، لا سيما بعد تعرضهم لكمائن قرب قرية “الرصافة”، وتؤكد الوثيقة مقتل 50 من إحدى المجموعات المقاتلة للنظام بينهم ضابط برتبة عقيد واسمه العقيد “غسان عباس”.
كما تعرضت قوات النظام إلى كمين آخر قبل وصولهم إلى قرية “إثرية”، حيث استهدفوا بالرصاص والهاون من جهتين وهو ما أثار الشك لدى تلك القوات بأنهم يتعرضون لنيران صديقة، ووفقا لما ذكرته الوثيقة من كلام “جلال” فإنه ومن معه أسرعوا في السيارة إلى أن أصيبت بقذيفة أدت لانقلابها ومقتل عدد ممن كان فيها. مضيفاً أنهم بقوا بجانب السيارة إلى أن أتت المساعدة لهم من حاجز “إثرية” وجرى إسعافهم إلى مشفى حماه الوطني ومشفى سلمية الوطني.
وتتحدث الوثيقة بشكل واضح وصريح، أن عناصر الأمن العسكري في المجموعة التي تواجد فيها “جلال” أكدوا أنهم تم بيعهم علناً وأنهم علموا من باقي الجنود أن أوامر الانسحاب في البداية وصلت إلى رماة المدفعية والدبابات رغم وجود الذخيرة والعتاد في المطار. وأنهم تركوا بقية العناصر ووحدات الحماية بدون تغطية إضافة إلى أنهم قابلوا عناصر كانوا على المحارس الغربية التي تم إفراغها قبل يوم والتي تمكن “تنظيم الدولة” من الدخول عبرها. حيث قاموا بإزالة السواتر الترابية بواسطة آليات ثقيلة، ودخلوا إلى المدرجات، وفاجأوا الجميع بوجودهم بأعداد كبيرة في المطار دون مقاومة تذكر.
وكما ورد في الوثيقة حرفياً “وقد اتفق العناصر في مشفى حماه وسلمية الوطني على أن الأوامر بالانسحاب كانت على شكل ((انسحاب كيفي)) وأن الأوامر من ضباط مباشرين عليهم، كما أكدوا أن العناصر القادمين من الفرقة 17 تلقوا أوامر الانسحاب عبر الضباط القائمين عليهم وهي قادمة بشكل مباشر من اللواء عادل عيسى قائد الفرقة 17 مباشرة والذي لم يكن موجوداً بمطار الطبقة وإنما بمطار الدير العسكري حسبما تواترت المعلومات لديهم، وقد أكد الجميع أنهم لم تصلهم مياه للشرب ولا طعام خلال اليومين الأخيرين تقريباً”.
المصدر: السورية نت