شهدت معركة منبج، في ريف حلب الشرقي، الجمعة؛ فصلها الأخير، بانسحاب تنظيم الدولة من آخر مناطق سيطرته في حي السرب في المدينة، مصطحبا معه نحو ألفي مدني وسجين ليضمن خروجا آمنا.
وقامت قوات سوريا الديمقراطية المعروفة اختصارا بـ”قسد”، بفتح ممر آمن للتنظيم مع “الرهائن” المدنيين والسجناء. ويقول نائب رئيس هيئة الدفاع والحماية الكردية، في عين العرب (كوباني) أوجلان عيسو: “قمنا بفتح ممر من أجل سلامة المدنيين؛ لأن داعش أخذ آلاف المدنيين رهينة”.
وتوجهت أرتال تنظيم الدولة شمالاً، باتجاه مدينة جرابلس الخاضعة لسيطرة التنظيم، وفق اتفاق مسبق عقد مع “قسد”. وقال عيسو: “توجه داعش مع المدنيين نحو جرابلس”.
وتؤكد شهادات الأهالي أن أرتال تنظيم توجهت بعد ذلك إلى مدينة الباب، في ريف حلب الشرق، والخاضعة لسيطرة التنظيم أيضا، حيث يقول الناشظ الإعلامي محمد قدور من الباب: “تابع معظم رتل داعش سيره من جرابلس للراعي، ومنها للباب”.
وقد أطلق تنظيم الدولة سراح الرهائن المدنيين، وأبقى السجناء، بحسب الناشط الإعلامي محمود الجرابلسي، الذي قال لـ”عربي21“: “أطلق التنظيم سراح المدنيين الرهائن في قرية العمارنة قرب جرابلس، ومن تابع مع الرتل إلى الباب فإن له ارتباطا ما مع التنظيم”.
وتفتح منبج بذلك صفحة جديدة في القتال الدائر في المنطقة. ويقول الخبير العسكري النقيب عبد الناصر العايد لـ”عربي21“: “إنها مرحلة جديدة غير واضحة المعالم، وبالأحرى فإنها منطقة جديدة انضمت لمناطق النفوذ الأمريكي”.
وتحاول “قسد” إعطاء أهالي منبج تطمينات، إذ عيّنت شخصية عربية (فاروق الماشي) في رئاسة مجلس منبج، لكن له نواب أكراد.
ولم تسمح قوات سوريا الديمقراطية التي تهيمن عليها الوحدات الكردية؛ حتى الآن بعودة المدنيين الذين خرجوا إلى منازلهم.
وفي هذا السياق، يقول عيسو: “سنعلن عمّا قريب عودة المدنيين، وذلك سيكون بعد تمشيط المدينة، وتأمينها من عمليات التفخيخ”، وفق قوله.
لكن قسما كبيرا من أهالي منبج لن يجدوا بيوتا يعودون إليها. وفي ذلك يقول عيسو: “المجلس المدني هو الذي يقرر التعويض والعودة، لا العسكريون”.
وتنفي “قسد” المدعومة التي تقاتل تحت غطاء جوي ودعم أمريكيين، أي علاقة مع قوات النظام السوري، وتعتبر ما يقال في هذا الصدد “إشاعات” تهدف لتشويه سمعتها. وتنفي “قسد” كذلك أي نية لمحاولات التجنيد الإجباري في صفوفها، رغم شكاوى الشباب المتكررة بشأن الضغط عليهم للتجنيد وحمل السلاح.
ويقول عيسو عن النظام السوري: “نحن لا نتفق مع من يهدر دماء الشعب السوري، وسندافع عن أنفسنا ومناطقنا في حال هاجمها النظام أو أي قوة”.
وتعهدت قوات سوريا الديمقراطية بإعادة الحياة للمدينة، حيث يؤكد عيسو أنه سيعاد فتح المدارس والمستوصفات، وتأسيس قوى الأمن الداخلي، إلى جانب تأمين منبج من هجمات محتملة للتنظيم. ويضيف عيسو: “سنؤمن منبج مثل جميع المناطق التي سيطرنا عليها”، كما قال.
وتعد خسارة منبج ضربة قاصمة للتنظيم؛ نظرا لعوامل عديدة. وفي هذا السياق، يقول عيسو: “سقط داعش في مدينة تعد العاصمة السرية له”، وهذا ما يرجح محاولات تنظيم الدولة توجيه ضربات بين الفينة والأخرى، كما يقول النقيب عبد الناصر العايد الذي يرى أن “منبج سوف تشهد هجمات خاطفة لداعش، لكنها ستكون بمأمن من الضربات الجوية”.
ويؤكد العايد أن خسارة منبج ليست بالحدث السهل، إذ أكدت هذه الخسارة على تغير وضع التنظيم في سوريا. ويقول: “خسارة منبج إشارة لتخلخل التنظيم ودخوله مرحلة الانهيار كتنظيم عسكري، مع بقائه حركة سياسية دينية لكن بقوة أقل وزخم متناقص”، وفق تقديره.
ويبدو مستقبل المنطقة غامضا كمستقبل منبج. فمناطق النفوذ، وفق الخبير العسكري، “تتحرك”. كما أنه لا يمكن التكهن بوجهة قسد القادمة بعد نجاحها في منبج، فهل ستتوجه إلى الباب غربا؟ أم إلى جرابلس شمالا؟ أم إنه سيتم التوجه إلى الرقة شرقا؟
ويرى العايد أن “الوجهة القادمة هي جرابلس ثم غربا لعفرين حيث المرحلة الأخيرة، وسيكون ذلك بدعم أمريكي لقطع الطريق على أي تفاهم تركي روسي”.
من جهة أخرى، لاحظ العايد في معارك منبج “انتهاء دور الانتحاريين كسلاح مؤثر في الصراع العسكري، في ظل الحصار المحكم ثم الاصطياد الهادئ بالطائرات”، مشيرا إلى أن أمريكا قد تستخدم هذا الأسلوب في معاركها القادمة.
وتبقى الأيام القادمة حبلى بالأحداث لأهالي منبج، فخروج تنظيم الدولة قد يكون بداية لأحداث كثيرة قادمة، وليس نهاية المطاف. وستجرى هناك ملاحقات بتهمة التعاون مع تنظيم الدولة. ويقول عيسو: “مكافحة الإرهاب ستلاحقهم، وستحاكمهم المحكمة العسكرية”.
لكن الأهالي يخشون أن تكون هذه التهمة مجرد ذريعة لملاحقة المعارضين لمشروع قوات سوريا الديمقراطية.
يقول الناشط أبو عمر، من ريف حلب: “مشروع قسد مشروع فيدرالية كردية، ويقصدون بحكم الشعب حكم الكرد للعرب، ولن يسمح العرب بذلك”. فيبدو أن حديث “قسد” حول العيش المشترك لم ينجح في تطمين الأهالي في المناطق التي يقطنها العرب.
عربي 21