كثفت الولايات المتحدة من وتيرة تهديداتها للروس والسوريين، مع اشتداد المعركة حول مدينة حلب، في ما يعكس تدهورا إضافيا في العلاقات بين موسكو وواشنطن التي دخلت مرحلة المزايدات السياسية في الاسابيع الاخيرة قبل الانتخابات الاميركية في تشرين الثاني المقبل.
وفي حين ان بعض التسريبات تتحدث عن خيارات مواجهة مباشرة يمكن ان تخوضها واشنطن في سوريا، الا ان التحفظات كانت واضحة من الرئيس الاميركي باراك اوباما بشأن خيار المواجهة المباشرة، فيما تجدد الحديث عن احتمال تصعيد دول اقليمية جهودها لتسليح الفصائل الارهابية لمواجهة الجيشَين السوري والروسي، في تأكيد على استمرار سياسة حافة الهاوية بين الاطراف.
وعلى الرغم من التلويح الأميركي الأخير بالتخلي عن اللهجة «الديبلوماسية» أمام روسيا بشأن الحرب في سوريا، تعهد الكرملين، أمس، بمواصلة دعمه العسكري للجيش السوري في الحملة التي يشنها ضد الارهاب، مقترحاً في الوقت ذاته هدنة إنسانية من 48 ساعة. ويأتي ذلك بينما حذرت الأمم المتحدة من «أخطر كارثة انسانية تشهدها سوريا» بفعل الحرب.
وقال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف إن روسيا ستواصل «عمليتها الجوية دعما للحملة ضد الارهاب التي تخوضها القوات المسلحة السورية»، معتبرا أن تصريحات المسؤولين الأميركيين عشية مرور عام على بدء التدخل العسكري الروسي في سوريا «غير بناءة».
وأكد أن «موسكو لا تزال مهتمة بالتعاون مع واشنطن من اجل تطبيق الاتفاقات الموقعة بين الطرفين بشأن سوريا».
واعتبر نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف أن تصريحات المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية جون كيربي حول الخطر الذي يحدق بروسيا من جانب «داعش» بعد فشل الهدنة في سوريا، تصب في مصلحة الإرهابيين وتدل على إصابة الإدارة الأميركية بانهيار عصبي.
وقال ريابكوف إن هذه التهديدات دليل على انحدار الإدارة الأميركية لممارسة سياسة وضيعة، وتمثل «دعوة موجهة للإرهابيين لمهاجمة روسيا»، مشدداً على أن موسكو تعتبر تصريحات كيربي دعماً للإرهاب.
وتابع الديبلوماسي الروسي أن موسكو ترفض اقتراح واشنطن حول إعلان هدنة لمدة سبعة أيام في حلب، باعتبار أن الإرهابيين قد يستغلون مثل هذه الفترة الزمنية لإعادة نشر عناصرهم، لكنها (موسكو) تقترح «هدنة إنسانية» مدتها 48 ساعة في حلب عوضا عن ذلك.
ووصف ريابكوف تصريحات واشنطن عن تعليق التعاون مع روسيا بشأن سوريا بأنها عبارة عن «سياسة تهديد وابتزاز تستهدف فرض حلول تروق لواشنطن ووكلائها علينا»، مشيراً إلى أنه «من المستحيل التوصل إلى تسوية واستعادة الاستقرار على مثل هذا الأساس».
وفي هذا الإطار، اعتبر المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية إيغور كوناشينكوف أن التصريحات الصادرة عن وزارة الخارجية الأميركية حول تعاظم خسائر روسيا إذا ما استمرت في عمليتها في سوريا، اعتراف صريح بإدارة واشنطن نشاط الإرهاب الدولي.
وفي رده على تصريح لكيربي كان قد حذر فيه روسيا من تعاظم خسائرها، «وتلقيها المزيد من جثث عسكرييها في الأكياس، بل حتى إسقاط طائراتها» في سوريا، قال كوناشينكوف: «لقد رُفِعت الأقنعة ايها السادة». واضاف: «نحن على علم كامل بعدد مَن تُسَمِّيهم واشنطن بالخبراء في سوريا عموما، وفي محافظة حلب حصرا، نحن على علم كذلك باستمرارهم في العمل الفاشل هناك على تفريخ إرهابيي جبهة النصرة مما يسمى بالمعارضة»، مضيفاً: «إذا ما تعلق الأمر بتهديد روسيا وحياة جنودنا في سوريا، فإن المسلحين لن يعثروا هناك حينها على الأكياس لوضع أشلائهم فيها، ولن يتسنى لهم الهروب من هناك».
بدوره، أكد كيربي، أن وزير الخارجية جون كيري «تحدث بالفعل إلى وزير الخارجية سيرغي لافروف بشأن الوضع في حلب وبشأن هشاشة الترتيب الذي توصلنا إليه في وقت سابق هذا الشهر في جنيف».
وكان كيري أعاد التأكيد، في وقت سابق، أن الولايات المتحدة على وشك تجميد محادثاتها مع روسيا بشأن النزاع في سوريا، بسبب عدم توقف القصف في حلب. وقال خلال مؤتمر لمراكز الابحاث في واشنطن: «نحن على وشك تعليق المحادثات لأنه بات من غير المنطقي وسط هذا القصف الذي يجري، ان نجلس ونحاول ان نأخذ الامور بجدية».
وتابع كيري، مهاجماً روسيا من دون ان يسميها: «مع كل ما يحصل حاليا، لا توجد اي اشارة الى مسعى جدي. وصلنا الى مرحلة بات يتوجب علينا في اطارها ان نبحث عن بدائل، ما لم يعلن اطراف النزاع بشكل واضح عن استعدادهم للنظر في مقاربة اكثر فعالية».
إلى ذلك، أكد نائب وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أن وكالات الأمن القومي الأميركية تبحث خيارات بشأن سوريا وبعضها خيارات جديدة، «في محاولة لإنهاء الحرب الأهلية وبداية التحول السياسي (الحكومة الجديدة) في سوريا».
وقال في إفادة أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي إن «الرئيس (الأميركي باراك أوباما) طلب من جميع الوكالات طرح خيارات بعضها مألوف وبعضها جديد نعكف على مراجعتها بنشاط شديد»، مشيراً إلى أن «أطرافاً خارجية ضالعة في الصراع في سوريا قد تبدأ في ضخ مزيد من الموارد في الصراع، ما قد يضر في نهاية المطاف بالرئيس السوري (بشار الاسد) إضافة إلى روسيا».
صحيفة «وول ستريت جورنال» ذكرت أن الإدارة الأميركية أعادت فتح النقاش الداخلي حول تزويد مقاتلي «المعارضة» بأسلحة. ونقلت عن مسؤولين أميركيين قولهم إن «النقاش المتجدد حول ما يشار إليه داخل الإدارة الأميركية باسم الخطة باء، يركز على إمكانية السماح لوكالة الاستخبارات المركزية وشركائها في المنطقة بتزويد وحدات من المجموعات المسلحة المدعومة من الـ «سي آي ايه»، بأنظمة عسكرية تمكنهم من قصف مواقع المدفعية السورية والروسية من مسافة بعيدة»، مضيفين أنه يجري البحث في «تسليحهم بأنظمة مضادة للطائرات أقل فاعلية من تلك المحمولة على الكتف». وتمتنع واشنطن – رسميا على الاقل – عن تزويد المسلحين بالأنظمة المحمولة على الكتف خوفاً من أن تقع في أيدي مسلحي «داعش».
وأضافت الصحيفة أن «الولايات المتحدة تبحث إعطاء الضوء الأخضر لحلفائها الإقليميين، بما في ذلك تركيا والسعودية، من أجل تزويد المسلحين بأنظمة تسليحية أقوى.
وأشارت إلى أن «بعض المسؤولين يرون أنه ربما فات الأوان بالفعل للتأثير على سير المعارك، وأنه على الإدارة الأميركية أن تأخذ بالاعتبار القيام بعمل عسكري مباشر ضد نظام الأسد من أجل وقف الحملة العسكرية»، فيما نقلت عن مسؤولين آخرين توقعهم قيام «معارضة شديدة داخل البيت الأبيض لأي خيارات تشمل عملاً عسكرياً أميركياً مباشراً ضد نظام الأسد خشية اندلاع صراع أوسع مع روسيا».
وكان اوباما جدد، أمس الأول، رفضه استخدام القوة العسكرية لإنهاء الحرب في سوريا، موضحاً أنه يجلس «في غرفة الازمات مع وزير الدفاع ورئيس هيئة اركان الجيوش وخبراء من الخارج من اجل الحصول على افكار بشأن إنهاء الحرب في سوريا». وقال لقناة «سي ان ان» في مقر بلدية واشنطن: «في سوريا، ليست هناك اي فرضية يمكننا بموجبها وقف حرب اهلية ينخرط فيها الطرفان بشدة، باستثناء نشر أعداد كبيرة من الجنود»، مضيفا: «علينا ان نكون حكماء».
من جهته، أكد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، أن بلاده مصممة على القضاء على «ممر الإرهاب» الواقع على حدودها مع سوريا. ومن المقرر أن يستقبل اردوغان، اليوم، ولي العهد السعودي الأمير محمد بن نايف، الذي وصل أنقرة أمس، لمناقشة عدد من القضايا الإقليمية.
إلى ذلك، اعتبر مدير العمليات الانسانية في الامم المتحدة ستيفن اوبراين أن الوضع في حلب هو «اخطر كارثة انسانية تشهدها سوريا حتى الآن».
ميدانياً، تابع الجيش السوري عملياته العسكرية في محيط مخيم حندرات للاجئين الفلسطينيين في ريف حلب الشمالي. وأكد مصدر عسكري لـ «سانا» ان القوات السورية وسعت نطاق سيطرتها في المنطقة وصولا إلى مشفى الكندي إلى الشرق من المخيم.
(«السفير»، «سانا»، روسيا اليوم»، أ ف ب، رويترز)