تنطوي استراتيجية واشنطن في التخلص من “الدولة الإسلامية” في سوريا على مساهمة كبيرة من المدنيين السوريين وهي: حياتهم.
فريدريك هوف – أتلانتيك كونسل
نُشر في 24 حزيران 2015
في التحديث الأخير لتقرير اللجنة الدولية المستقلة للتحقيق في سوريا، الذي نُشر في 23 حزيران الجاري، ورد أن “الهجمات العشوائية على المناطق المدنية المأهولة بالسكان تُنفّذ من قبل معظم -إن لم يكن جميع- الأطراف المتحاربة، وأن الحكومة مع تفوقها من خلال سيطرتها على سماء البلاد تلحق بهجماتها العشوائية أشد الضرر بالمدن والقرى والأحياء الخارجة عن سيطرتها”.
حالة الحصانة من العقاب على ما تفعله حكومة الأسد أمر غير مقصود ولكنه لا مفر منه في ظل الاستراتيجية الحالية للولايات المتحدة الأمريكية والتي تحتاج إلى تغيير جوهري.
اتهمت لجنة التحقيق الدولية بالاسم نظام الأسد، وتنظيم “الدولة الإسلامية”، وجبهة النصرة، في أحدث تقرير لها نص بوضوح على أن حماية المدنيين شرط للقانون الدولي، لكنها ليست أولوية على ما يبدو للجهات الفاعلة.
في الحالة المثالية، المعارضون لنظام الأسد الذين يملكون السلاح لا يقعون في شركه المتمثل بسياسة العقاب الجماعي ونشر الطائفية على مدى السنوات الأربع الماضية، كما فرض بعض الداعمين والأنصار الخارجيين على بعضهم وجوب اتخاذ إجراءات تصحيحية على الفور.
“الدولة الإسلامية” بطبيعة الحال تجاوزت الحدود ولا تنتمي لأي جزء من الثورة السورية، والذين يسعون لإبعاد النصرة عن انتمائها لتنظيم القاعدة لم يركزوا بعد أولًا على وقف جرائم حربها.
وعليه فإن نظام الأسد يتفوق على “الجماعات المسلحة المناهضة للحكومة” من حيث الإجرام الفاضح، وهنا نستعرض أكثر فقرات تقرير اللجنة لفتًا:
– تواصل الحكومة هجماتها المباشرة على المواقع التي من المحتمل أن تكون تجمعات للمدنيين، كالمحطات والحافلات والأسواق والمخابز.
– بصفة خاصة، استمرار استخدام البراميل المتفجرة في حملات جوية ضد مناطق بأكملها، بشكل عشوائي دون أهداف محددة هو انتهاك للقانون الإنساني الدولي، كما هو موثق سابقًا، ويرقى إلى أن يكون جريمة حرب باستهدافه للمدنيين.
– الاستراتيجية الأكبر للنظام يبدو أنها جعل الحياة لا تطاق بالنسبة للمدنيين الذين لا زالوا داخل المناطق التي تسيطر عليها الجماعات المسلحة.
– في النمط التوثيقي السابق أشار التقرير إلى أن القوات الحكومية استهدفت عمدًا المشافي والمراكز الطبية وسيارات الإسعاف، ولا تزال هذه الحالة سمة راسخة للصراع.
– تفرض الحكومة الحصار بطريقة ممنهجة، إذ رفضت القوات الحكومية السماح بإيصال المساعدات من الأدوية الأساسية والمستلزمات الجراحية، وهذا خرق مباشر لالتزامات القانون الإنساني الدولي لضمان صحة الجرحى والمرضى ورعايتهم، وضمان مرور الإغاثة الإنسانية بدون عرقلة.
– التصرفات اليومية المتمثلة بزيارة الجيران وإرسال الأطفال إلى المدرسة والخروج لشراء الخبز أصبحت قرارات مصيرية متعلقة بالحياة والموت، إذ قتل عدد كبير من الأطفال جراء قصف بيوتهم ومدارسهم وأماكن لعبهم.
إدارة أوباما غير مبالية
إن إدارة أوباما غير مبالية من الناحية العملية في كل هذا، ولا يعني أنها عندما تصف بشار الأسد بأنه يدير عمليات النهب خسارةً للكلمات، في الوقت الذي يواصل فيه الأسد المجاهرة بعنادٍ على أنه رئيس الجمهورية العربية السورية.
ولم تغير إدارة أوباما بعد من سياستها للتخلص من تنظيم “الدولة الإسلامية”، بغض النظر عن تدخلها العسكري في جبال سنجار في العراق وعين العرب (كوباني) في سوريا، إذ لا تزال صامتةً فيما يخص حماية المدنيين السوريين من النظام.
إن القبول الفكري لبرنامج القتل الجماعي للأسد يُنتج ويزيد من الملتحقين بالتنظيم من جميع أنحاء العالم، ويقنع أعدادًا متزايدة من السوريين بأن التنظيم أفضل رهان للتغاضي عن جرائم النظام.
وتعرف الإدارة أيضًا أن إيران هي الوسيط الأجنبي الرئيسي الذي يساعد النظام على ارتكاب جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية، كما يؤثر العنصر الإيراني إلى حد كبير على قرارها في ترك المدنيين السوريين تحت رحمة طهران العميل السوري، إذ لديها شيء مهم آخر تقوم به معها، وبالتالي يدفع المدنيون الثمن.
لم يثمر أي من المؤتمرات الصحفية في البيت الأبيض ووزارة الخارجية عن أي دراسة منظمة لهذه القضية.
وبالرغم من الضغط الروسي، يتساءل المرء كيف يمكن أن تكون حماية المدنيين واردة في اللقاءات الدورية بين وزير الخارجية الأمريكي جون كيري ونظيره الروسي، ويتساءل عن التسهيلات التي تقدمها طهران لنظام الأسد الإجرامي.
هل كانت هناك حملة دبلوماسية منظمة تهدف إلى إقناع طهران وموسكو بإجبار العميل (الأسد) على احترام القرارات ذات الصلة لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة؟، هل طُلب من إيران إجباره على إيقاف القصف بالبراميل ورفع الحصار؟ وسائل الإعلام عانت من نقص في الفضول تجاه الأمر وهذا بحد ذاته غريب.
لسنوات عديدة دعا مختلف المعلقين في وسائل الإعلام، إدارة أوباما إلى فرض منطقة حظر جوي لمنع نظام الأسد من القتل الجماعي للمدنيين السوريين، الذي يشعر بأن إفلاته من العقاب يسمح له بمتابعه هجماته الكيميائية بحق مواطنيه.
جميع من ذكرتهم لا يملكون حلولًا تكتيكية وإنما لديهم منهجيات محددة، إذ يريدون بدلًا من ذلك إقناع رئيس الولايات المتحدة بصرف النظر عن المعاناة، ويريدون منه التصرف بتساهل مع آلة الأسد القاتلة، إنهم غير مهتمين بالأمر.
وصمة عار لا تُمحى يمكن أن تكون بمثابة إرث لأوباما إلى الأبد حول هذه المسألة التي لا تقارن بالمعاناة والإرهاب، فيمكن تخفيفهما إذا اختار الرئيس الأمريكي المحاولة.
سواء كان الدافع لاتخاذ إجراء ما ينبع من الانشغال بالتخلص من تنظيم “الدولة الإسلامية”، أو النفور بشكل كبير إزاء ما يحدث للأطفال وذويهم في سوريا، فهو ليس مهمًا.
يمكن للإيرانيين التفاوض بينما يتم تسهيل القتل الجماعي، ومما لا شك فيه أن الإدارة الأمريكية يمكنها فعل ذلك إذا قررت أعظم قوة على وجه الأرض النظر في الأمر قليلًا، ويتعين على الرئيس أوباما التحرك الآن لحماية المدنيين في سوريا.
ترجمة عنب بلدي