تسابق الولايات المتحدة الزمن من أجل التوصل إلى حل لأزمة نزع الأسلحة النووية من كوريا الشمالية، كي تتفرغ بعد ذلك لحسم الملف النووي الإيراني، الذي يقلق القوى الرئيسية في أوروبا والشرق الأوسط، ويحظى باهتمام بالغ من قبل قطاع الأعمال العالمي.
وتعيد إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب توظيف استراتيجية “حافة الهاوية” التي تؤتي ثمارها في تعامل واشنطن مع بيونغ يانغ، لكن هذه المرة مع طهران، التي تجد نفسها أمام عزلة متزايدة كل يوم، وسط تصعيد الضغط الغربي وتحديد البنود المستهدفة لـ”تحسين” الاتفاق، بدلا من إلغائه.
وتترقب كوريا الشمالية، التي تخشى من سلوك ترامب غير المتوقع، نتائج عملية دولية منسقة تسبق يوم 12 مايو المقبل، الذي سينظر فيه الكونغرس الأميركي في إمكانية استمرار الولايات المتحدة كطرف في الاتفاق النووي، أو إعادة فرض عقوبات اقتصادية قاسية على إيران مرة أخرى.
لكن أكبر الرابحين من تشدد وزير الخارجية الأميركي الجديد مايك بومبيو، في أول زيارة له إلى المنطقة منذ توليه المنصب الأسبوع الماضي، هم خصوم إيران في المنطقة.
ودعا وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، الأحد، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع بومبيو في الرياض إلى “تحسين” الاتفاق النووي مع إيران.
وقال الجبير “تؤيد المملكة العربية السعودية جهود تحسين الاتفاقية النووية الإيرانية”، موضحا “نعتقد أن المدة التي يكون فيها حدّ لكمية تخصيب اليورانيوم يجب أن تلغى وتكون بشكل أبدي”.
وتابع “كما نعتقد أنه يجب أن يكون هناك تكثيف في موضوع التفتيش” للمنشآت النووية الإيرانية، وفرض المزيد من العقوبات الاقتصادية على إيران.
وقال بومبيو إن إيران تعمل على “زعزعة المنطقة، وتدعم الميليشيات والجماعات الإرهابية، وتعمل كتاجر سلاح، إذ أنها تسلّح المتمردين الحوثيين في اليمن، وإيران تقوم بحملات قرصنة إلكترونية، وتدعم نظام الأسد القاتل”.
وتابع “على العكس من الإدارة السابقة، نحن لا نتجاهل إرهاب إيران الواسع النطاق”.
بينما أعلن مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون، الأحد، أن “ترامب لم يتخذ قرارا بعد، إذا كان سينسحب من الاتفاق النووي الإيراني أم لا”.
وهذا أحد جوانب سياسة ترامب في إبقاء العالم “حائرا” أمام نواياه الفعلية في ما يخص الاتفاق النووي، الذي يقول مراقبون إنه لن يكون نوويا فقط في المستقبل، بل سيشمل جوانب سياسية تحظى بتوافق بين واشنطن وحلفائها الأوروبيين والعرب.
وتريد الولايات المتحدة أن تعطي انطباعا بأن الملف النووي الإيراني صار أولوية الإدارة الأميركية، بعدما حققت اختراقا نوعيا في العلاقات مع كوريا الشمالية، التي بدأت تنفتح على سيول وطوكيو، قبيل قمة ستجمع ترامب بكيم جونغ أون.
وقال الكاتب البريطاني باتريك كوكبرن “إنها إيران لا كوريا الشمالية التي يجب أن تثير القلق”، مضيفا “إن الأزمة الإيرانية هي الأخطر مقارنة بالأزمة الكورية، ففي الأخيرة نحن نتحدث عن اتفاق سلام سيستبدل اتفاق هدنة بانمونجوم في عام 1953، حيث عدم توقيع اتفاق سلام لم يشعل أي حرب بين الكوريتين خلال 65 عاما، على الرغم من وقوع اشتباكات متفرقة قليلة”.
وأضاف كوكبرن في تعليق له بصحيفة آي البريطانية “أما إيران، التي تتنافس مع الولايات المتحدة على النفوذ في الحرب الضارية الدائرة في سوريا والأخرى التي كانت في العراق وخفت حدتها حاليا، يمكن للحرب أن تندلع بسهولة”.
وإذا ما أظهرت إيران استعدادا لتقديم تنازلات، عبر التفاوض على اتفاق جديد حول برنامجها الصاروخي ونفوذها في المنطقة، فسيمثل ذلك متنفسا لقوى أوروبية تتطلع شركاتها لتوقيع اتفاقات مع شركات إيرانية بالمليارات من الدولارات.
ويقول محللون إن بومبيو أظهر خلال زيارته للرياض، أن إدارة ترامب لا تنوي إعطاء هذه الميزة للإيرانيين مجانا. ويقود الإصرار الأميركي على إخضاع إيران تلقائيا إلى انتقال الأزمة مع إيران إلى قمة أولويات ترامب في المرحلة المقبلة، وهو ما سيهمش كثيرا ملفات أقل أهمية، كالأزمة الخليجية وعزلة قطر.
وكانت قطر تأمل في أن يكون ملف المقاطعة على رأس أولويات بومبيو، لكنها تحولت إلى الخاسر الأكبر من هذه الزيارة، وفقا لدبلوماسيين غربيين.
وقالت مصادر سياسية خليجية إن بومبيو، الذي عقد محادثات مع كبار المسؤولين السعوديين على رأسهم الملك سلمان بن عبدالعزيز ووليّ العهد الأمير محمد بن سلمان، خيب آمال الحكم في قطر، إذ لم يشر صراحة إلى الأزمة التي تعاني منها الدوحة.
وكانت الدوحة ترغب في أن يتحدث بومبيو بشكل واضح عن رغبة أميركية في إنهاء المقاطعة الرباعية لقطر، لكنه أظهر من خلال زيارته إلى الرياض أنّه يختلف كليا عن سلفه ريكس تيلرسون. وظهر هذا الاختلاف بوضوح من خلال تكريس بومبيو الجزء الأكبر من مؤتمره الصحافي مع الجبير لإيران وخطورة سياستها على الاستقرار الإقليمي والأمن الأميركي من خلال “دعمها للإرهاب”.
ولاحظت المصادر السياسية أن وسائل الإعلام القطرية، على رأسها قناة الجزيرة، ركزت قبل وصول بومبيو إلى الرياض على تقرير في صحيفة نيويورك تايمز، يشير إلى رغبته في التوسّط بين دول المقاطعة الأربع وهي السعودية والإمارات والبحرين ومصر من جهة وقطر من جهة أخرى. لكنّ كلام وزير الخارجية الأميركي وهو يغادر الرياض كشف أنّه في عالم آخر وأن كلّ اهتمامه منصب على مواجهة الخطر الإيراني، بما في ذلك الصواريخ التي تزود بها إيران الحوثيين والتي تطلق في اتجاه الأراضي السعودية.
المصدر:صحيفة العرب