كشف الكاتب الأمريكي ستيفن كينزر أن العالم سيتذكر تغطية وسائل الإعلام للحرب على سورية على أنها أكثر الأحداث المخزية في تاريخ الصحافة الأمريكية، وتشكّل التقارير حول ما يجري في مدينة حلب العريقة أحدث مثال على ذلك.
وقال كينزر في مقال له بصحيفة «واشنطن بوست»: بعد «سيطرة» التنظيمات الإرهابية على حلب، منعت الأطفال من الذهاب إلى المدارس ثم دمّرت المعامل وسرقت الآلات ونقلت إلى تركيا على أمل أن العمال الذين دُفعوا إلى البطالة لن يبقى لهم خيار سوى أن يتحولوا إلى «مقاتلين».
وأضاف كينزر: إن أهالي حلب رأوا أخيراً بارقة أمل عندما بدأ الجيش العربي السوري وحلفاؤه بإخراج الإرهابيين من أجزاء أخرى من المدينة في الأسبوع الماضي واستعادوا محطة توليد الكهرباء الرئيسة وقد تتم استعادة التيار الكهربائي النظامي قريباً وربما تكون سيطرة الإرهابيين على المدينة قد وصلت إلى نهايتها بعد أن قامت هذه التنظيمات الإرهابية بإمطار حلب بالصواريخ غير الموجّهة وأسطوانات الغاز.
وأوضح الكاتب أن هذا لا ينسجم مع رواية واشنطن وبالتالي فإن جزءاً كبيراً من الصحافة الأمريكية يذكر عكس ما يحدث فعلياً في سورية، إذ تشير العديد من التقارير الإخبارية كذباً وتضليلاً إلى أن «حلب كانت منطقة محررة» لمدة ثلاث سنوات، بينما تتم إعادتها الآن إلى البؤس»!.
هذا هراء والتفاف على الواقع، لكن لا يُلام الشعب الأمريكي على تصديقه لما يقال له من أكاذيب، ليست لدينا معلومات حقيقية حول المتحاربين أو أهدافهم أو تكتيكاتهم ووسائل إعلامنا تتحمل جزءاً كبيراً من المسؤولية.
وقال لينزر أيضاً: بسبب الضغوط المالية المكثفة فإن معظم الصحف والمجلات وشبكات التلفزة الأمريكية قلّصت طواقم مراسيلها الخارجيين حتى بات قدر كبير من الأخبار حول العالم يأتينا الآن من صحفيين موجودين في واشنطن، وفي تلك البيئة فإن الوصول والمصداقية يعتمدان على القبول بوجهات النظر الرسمية، الصحفيون الذين يغطون الوضع في سورية يستقون معلوماتهم من وزارتي الدفاع والخارجية والبيت الأبيض و«خبراء» مراكز الأبحاث وبعد هذه الجولة غير النظيفة يشعرون بأنهم «غطوا جميع جوانب الخبر»، هذا الشكل من الاختزال ينتج هذا الخليط المائع الذي يسمونه «أخباراً حول سورية».
كما وجّه الكاتب انتقاداً إلى الصحفيين المقيمين في واشنطن والذين يروّجون لتنظيم «جبهة النصرة» على أنه يتكون من «ثوار» أو «معتدلين» وليس فرعاً لتنظيم «القاعدة» في سورية وتصوير السعودية على أنها تساعد «المقاتلين من أجل الحرية»، بينما هي الراعي الرئيس لـ«داعش»، أما تركيا فقد أدارت منذ سنوات عملية إدخال الإرهابيين الأجانب الراغبين بالانضمام إلى التنظيمات الإرهابية في سورية، لكن لأن الولايات المتحدة تريد المحافظة على علاقاتها الجيدة بتركيا فهي لا تريد رؤية ذلك، نادراً ما نسمع بذلك.
وقال الكاتب: يمكن فهم دوافع السياسيين على تشويههم لأفعالهم السابقة، كما يمكن أن نبرر للحكومات ترويج الرواية التي تعتقد أنها الأفضل بالنسبة لها، أما الصحافة فيفترض أن تبقى بعيدة عن نخب السلطة ونزعتها المتأصلة للكذب.
وختم الكاتب: إن جهل ما يجري في سورية أكثر خطورة من جهل باقي الشعوب لأن الولايات المتحدة تتصرف على أنها قوة دولية تمكنها من الحكم بالموت على الدول ويمكنها فعل ذلك بدعم شعبي لأن العديد من الأمريكيين- والعديد من الصحفيين ـ يكتفون بالرواية الرسمية، والرواية الرسمية فيما يتعلق بسورية هي: «قاتلوا الدولة السورية وروسيا وإيران! وانضموا إلى الأصدقاء الأتراك والسعوديين» وهذا بعيد بشكل مرعب عن الواقع، كما من المحتمل أن يؤدي هذا إلى إطالة أمد الحرب وأن يحكم على مزيد من السوريين بالمعاناة والموت.