قالت صحيفة “واشنطن بوست” إن نظام الرئيس السوري بشار الأسد يواجه مخاطر كبيرة، أكبر من تلك التي واجهها في بداية الثورة، وذلك بعد التقدم الذي حققته فصائل المعارضة المنضوية تحت ما يسمى بجيش الفتح في الأسابيع الماضية.
وتقول ليز سلاي في تقريرها إنه بعد سقوط مدينة إدلب، فقد سقطت يوم السبت مدينة جسر الشغور، التي انتقلت إليها القوات السورية، واتخذتها عاصمة فعلية للمحافظة بدلا عن إدلب.
ويشير التقرير، الذي اطلعت عليه “عربي21“، إلى ان المراقبين لاحظوا أن قوات النظام انهارت بعد أيام من القتال في كل من إدلب وجسر الشغور، ما يؤشر إلى ضعف القوات التابعة للنظام السوري.
وتبين الصحيفة أن التحول في ميزان القوى داخل سوريا يأتي في وقت أجلت فيه إدارة أوباما النظر في مصير النظام السوري، وركزت على هزيمة تنظيم الدولة، والتوصل إلى تسوية سلمية مع إيران حول ملفها النووي.
وتجد الكاتبة أن تطور الأحداث في سوريا ربما أجبر واشنطن على إعادة النظر في أولوياتها، وعادت للتركيز على النظام السوري. فسيترك أي تحول في ميدان المعركة أثره على الحرب في العراق واليمن، خاصة أن إيران تؤدي دورا مهما في الحروب الثلاث.
وينقل التقرير عن الصحافي السعودي جمال خاشقجي قوله: “ما نراه الآن هو تحول في مسار اللعبة في سوريا”. وأضاف: “أعتقد أننا سنرى نهاية لنظام الأسد، وعلينا التفكير فيما سيحدث بعد؛ لأن اليوم التالي للنظام يقترب”.
وتستدرك الصحيفة بأنه على خلاف اللهجة المتفائلة لخاشقجي، يرى مراقبون آخرون أن انهيار النظام في دمشق لا يزال بعيدا، خاصة أن العاصمة محصنة. ويشيرون إلى أن مكاسب المعارضة جاءت في مناطق على هامش الأراضي والتجمعات السكانية المهمة، التي تخضع للنظام، حيث أصبحت القوات السورية المرابطة فيها معزولة، وانقطعت عنها خطوط الإمداد.
وترى سلاي أن هذا لا يعني بقاء نظام الأسد للأبد، أو حتى تأديته دورا موازنا لقوة تنظيم الدولة، الذي يسيطر على شرق سوريا. ويقول إميل هوكاييم من المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، إن الضغوط على قوات الجيش من ناحية العدد والقدرات تبدو واضحة، ويضيف أن “مستوى خسائره قد أصبح كبيرا، ولا يمكن إخفاؤه، ما قد يدمر فكرة أنه ينتصر، التي كان يعتمد عليها، ومعها أيضا فكرة أنه البديل الأفضل لتنظيم الدولة”.
ويقول هوكاييم: “إن لم يستطع الجيش استعادة السيطرة أو الدفاع ضد المعارضة المسلحة، فإنه سيواجه أوقاتا صعبة من أجل تقديم نفسه على أنه طرف قادر على قتال تنظيم الدولة”، بحسب الصحيفة.
ويذكر التقرير أن مكاسب المعارضة الأخيرة تعزى إلى التقارب التركي السعودي وقطر للتعاون في الساحة السورية.
وتفيد الكاتبة بأنه منذ وصول الملك سلمان بن عبد العزيز إلى السلطة في كانون الثاني/ يناير، فإنه تحرك بقوة لمواجهة التهديد الإيراني، وقاد تحالفا ضد المتمردين الحوثيين في اليمن. كما عمل على جسر هوة الخلافات مع تركيا وقطر، وتعزيز التعاون معهما في سوريا، كما يقول خاشقجي.
وتكشف الصحيفة عن أن قوة معارضة جديدة اسمها “جيش الفتح”، وتضم جبهة النصرة، وهو التنظيم الموالي لتنظيم القاعدة في سوريا، وعددا آخر من الفصائل المعتدلة، هي نتيجة هذا التعاون
ويلفت التقرير إلى أنه بعد السيطرة على إدلب في الأسابيع الماضية، يتقدم المقاتلون في الجنوب، ويندفعون نحو حمص وحماة، ويهددون مدينة اللاذقية الساحلية. وبالتوازي مع جيش الفتح هناك جبهة أخرى في الجنوب تحقق تقدما ضد النظام، وتخوض معارك في محافظة درعا. وسيطرت على آخر معبر يربط دمشق مع الأردن، وهو معبر نصيب.
وترى الصحيفة أن انهيار الحملة التي قام بها النظام في الجنوب وفي مدينة حلب بدعم من حزب الله والمليشيات الإيرانية، كان وراء المكاسب التي حققها المقاتلون في الفترة الأخيرة. وحتى لو ظلت الحكومة تسيطر على دمشق ففرصها لاستعادة المناطق التي خسرتها أصبحت ضعيفة جدا.
وينوه التقرير، الذي ترجمته “عربي21“، إلى أن هناك أدلة أخرى تظهر أن النظام يترنح تحت وطأة أربع سنوات من الحرب. ففي يوم الجمعة أعلنت مؤسسات إعلامية مرتبطة بالنظام عن وفاة رئيس الأمن السياسي السابق، وأحد رموز النظام رستم غزالة، بعد أشهر من الإشاعات حول خلافه مع النظام، وأنه تعرض للضرب من أحد منافسيه، وظل في المستشفى بين الحياة والموت، بسبب ما تعرض له من ضرب. وجاءت تلك التقارير بعد عزل رئيس شعبة الأمن العسكري رفيق شحادة، أحد أعضاء النخبة المقربة للرئيس. ويقول دبلوماسيون يراقبون الوضع السوري من العاصمة اللبنانية بيروت إن الرجلين ربما اختلفا مع عائلة الأسد حول الدور المتزايد لإيران في إدارة شؤون البلاد.
وتلاحظ الصحيفة أن هناك توترا آخر في قلب عائلة الأسد نفسها. ففي العام الماضي تم عزل حافظ مخلوف، ابن خال الرئيس من عمله رئيسا لأمن محافظة دمشق، فيما تم اعتقال منذر الأسد بتهمة القيام بأعمال غير قانونية، وقد تعني التخطيط للانقلاب. وعلق دبلوماسي قائلا: “يبدو أن هناك تحولا كبيرا آخر يحدث داخل عائلة الأسد”، ما يعني أن انهيارا عسكريا داخل النظام ليس مستبعدا.
وتقول سلاي إن التطورات الأخيرة تعتمد على ما ستقوم به إيران، التي تتدخل في كل مرة يبدو فيها نظام الأسد على حافة الانهيار. لكن طهران نفسها تعاني من أزمة، ومن آثار العقوبات الدولية التي أثرت على اقتصادها، وتحاول الوفاء بمتطلبات الحرب في العراق، البلد الذي يعد أهم للمصالح الإيرانية من سوريا.
وتختم “واشنطن بوست” تقريرها بالإشارة إلى أن السفير الأمريكي السابق في دمشق، والباحث الآن في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى روبرت فورد، قد علق أنه لا يمكن استبعاد سقوط النظام، فهو يعاني من نقص في الرجال، ومن خلافات داخلية، ومن نكسات في الميدان “وكلها علامات ضعف، وربما بدأنا نشاهد بداية النهاية له” أي النظام.
عربي 21