ذكريات العيد وتنهدات لأيام كان فيها عيد، نعم فالعيد في سوريا صار ذكرى وتنهيدة تمر بالخاطر مع ابتسامة صغيرة مثقلة بألآم الحرب، دارت رحاها على هذا الشعب الذي كان عيده عيد فرح وبهجة، تميز على مدى السنين بألفة بين الناس وسرور في محياها، للعيد في سوريا طقوس وعادات مازالت تحتفظ بأصالتها رغم الحرب، بعد أن كشفت عن وجهها المعتم في وجه السوريين، لتسرق منهم حتى فرحة العيد.
ومع اقتراب العيد وفي آخر أسبوع من رمضان تغص الأسواق بالمشترين، وتبدأ التحضيرات بشراء الثياب الجديدة للأطفال وبعض الألعاب، وكما تتشارك العائلة في انتقاء ضيافة العيد من “الشوكولا إلى السكاكر.
أم عبدو تتذكر عيدها حين كان أولادها الأربعة بجانبها، قبل أن تسرقهم الغربة وحال اللجوء في الدول الأوروبية، فتقول: ” آه ع هديك الأيام يوم كنا نسهر للصبح ونحنا عم نعمل معمول وولادي الأربعة عم يشتغلو معي، اشتقت لخناقاتن ولما قلن لا تاكلو عجوة كتير حتى ما توجعكن معدتكن بس وين تخلص الأزمة وين يرجعو!”.
طبعا فالموائد السورية مشهورة بكرمها وتعدد الأصناف المتنوعة فيها، والتشارك في إعدادها يعتبر تقليدا من مباهج العيد الذي لم يعد موجودا إلا بندرة..
لم تعد أسواق سوريا تعاني الازدحام، فقد حلت تلك المشكلة بعد أن كانت الناس تتصادم من شدتعا، ولا عادت الناس تعود في الثانية بعد منتصف الليل وهم يحملون ما طاب ولذ، ولم يعد الأولاد يخبئونها بشوق ليوم العيد، فهذا ما قاله لنا ياسر طفل في العاشرة من عمره حين سألته عن عيده: “لا ما جبنا شي ولا حتى ضيافة.. خالي استشهد قبل العيد بعشرة أيام.. كيف بدنا نعيد والأحباب مو هون.. ما بئا في عيد”.. “نعم يا ياسر لم يأت العيد أيضا هذا العام على كثير من الناس” تابعت أمه، لم يبقى منزل إلا ودخلت الأحزان إليه.
“عيدية يا بابا بدنا عيدية” كان الأولاد يتراكضون بعد أداء صلاة العشاء ويحضرون التكبيرات ويرددونها وراء الكبار ومن ثم يطلبون العيدية، التي يحضرها الآباء لكل ولد حسب عمره وينطلقون إلى المنزل وأصواتهم تصدح: ” بكرا العيد ومنعيد ومندبح بقرة السيد…”، يعودون ليجدوا أمهاتهم يعدون الطبيخ ليوم العيد، حيث يجتمع كل أفراد العائلة في بيت الجد في جو من الألفة والترابط الأسري كما هو معروف عن العائلات السورية.
أبو خالد يقول وتنهيدة تكاد تخرج معها أنفاسه: “كنا عشرة أخوة استشهد اثنان و وسافر البقية بقينا أنا وأخي الكبير عند أبي.. بيتنا فراغ اشتاق للمتهم وضحكاتهم”.
غيرت الحرب كثيرا في شكل وتركيب مجتمعنا السوري وغيرت معها فرحة كانت تخرج من القلب ذات يوم.
عد يا عيد عد إلينا هذا هو لسان حال السوريين، وكثيرا منهم من قال إن “شهداءنا ستنبت ياسمينا وليمونا، و بيوتنا ستزهر زهرا وتزرع الزيتون فعد يا عيد فقد ضاقت بنا الدنيا بما رحبت”.. فكأنها صرخة اشتياق لطقوس وعادات تميزت بالمودة وكثير من البهجة والإحساس بالأمان الذي فقد وينعدم في كل عيد.
المركز الصحفي السوري- آية رضوان