في مناظرتها الثانية مع المرشح الجمهوري للرئاسة دونالد ترامب التي أجريت في العاشر من أكتوبر/ تشرين الأول الحالي، قالت المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون إنها كانت تدرس تسليح الأكراد لأنهم “أفضل شريك في سوريا والعراق” ضد الدولة الإسلامية في العراق والشام “داعش”.
أعلن رئيس الوزراء التركي بن علي يلدرم أن كلام كلينتون أمر غير مقبول، وذلك خلال كلمته أمام كتلة حزب العدالة والتنمية الحاكم في البرلمان في الحادي عشر من أكتوبر. وقال يلدرم: “قالت كلينتون إنها ستمد الأكراد في المنطقة والمنظمات الإرهابية بالسلاح إذا انتخبت رئيسا. أليست الولايات المتحدة حليفا لنا؟ ماذا يعني دعمهم بالسلاح؟”.
أما الرئيس رجب طيب أردوغان فلم يشر مباشرة إلى ما قالته كلينتون، لكنه قال إن هناك محاولة لعزل تركيا عن العمليات ضد تنظيم داعش في سوريا والعراق، على الرغم من 63 بلدا بما في ذلك تركيا تشارك في التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد داعش. وأشار أردوغان أيضا إلى أن حدود تركيا مع سوريا تمتد بطول 900 كيلومتر، ومع العراق بطول 300 كيلومتر.
وهذا ليس أمرا معتادا.
الشيء المعتاد هو أن تعبر القيادة التركية عن غضبها بكلمات قوية، وإلا فبنوع من التصريحات التهديدية.
هناك أمر آخر غير معتاد، وهو الدعم المفاجئ من كمال كليتشدار أوغلو، رعيم حزب الشعب الجمهوري، لموقف الحكومة بشأن معسكر بعشيقة بالقرب من الموصل، بعد أن سعت الحكومة العراقية إلى طرد تركيا منه بدعم من الولايات المتحدة وإيران.
رد الفعل المتواضع من جانب أنقرة يمكن أن يكون مؤشرا على سيناريوهين محتملين:
السيناريو الأول يمكن أن يكون أن تركيا اختارت البقاء في خط جرابلس إعزاز في سوريا وفي معسكر بعشيقة في العراق دون أن تتحرك كما كانت ترغب وتنتظر دورها وذلك إذا اشتعلت الأوضاع بعد عملية تحرير الموصل، أي على اعتبار أن تركيا لن تتحمل أي مسؤولية في هذه العملية.
السيناريو الثاني هو احتمال أن تكون الحكومة التركية تطبخ شيئا يمكن أن يكون مفاجأة للجميع.
هناك ما هو أكثر من ذلك، ذكرت صحيفة واشنطن بوست أن الولايات المتحدة قد أعدت بالفعل لتسليح وحدات حماية الشعب الكردية في سوريا، وهي الجناح المسلح لحزب الاتحاد الديمقراطي الذي يعد امتدادا لحزب العمال الكردستاني المحظور الذي يشن حملة عسكرية مسلحة للاستقلال عن تركيا منذ عام 1984 أسفرت عن قتل 40 ألف شخص.
طلبت تركيا من الولايات المتحدة عدم تسليح وحدات حماية الشعب وعدم التعاون معها حتى لو كان ذلك لمحاربة تنظيم داعش؛لأن هذه الوحدات لا تختلف عن حزب العمال الكردستاني الموضوع على قائمة الإرهاب الأمريكية. ويبدو أن الإدارة الأمريكية بدلا من أن تأخذ مطلب حليفها في حلف الناتو على محمل الجد، تجاهلت هذا المطلب، وبدأت في تقديم مزيد من التشجيع لوحدات حماية الشعب بتقديم الوعود بمزيد من الأسلحة إليها.
من غير الممكن بالنسبة للولايات المتحدة أن تقدم ضمانات لتركيا أو لأي طرف آخر بأن هذه الأسلحة لن تستخدم ضد تركيا أو حتى ضد الولايات المتحدة في يوم من الأيام. زودت الولايات المتحدة من قبل المجاهدين في أفغانستان بالسلاح الذي استخدم في وقت لاحق في قتل الأمريكيين بيد جماعة طالبان والقاعدة.
كما أن إعطاء وحدات حماية الشعب المزيد من الأسلحة يعني أن الولايات المتحدة تدعمهم في الحصول على منطقة حكم ذاتي من الحكومة السورية أو على الانفصال التام عن سوريا. هل يسعد ذلك روسيا في الوقت الذي يتصاعد فيه التوتر حول حلب، وتسمم أجواء الحوار بين واشتطون وموسكو حول مستقبل سوريا؟ أم هل يسعد بشار الأسد المدعوم من بوتين؟ أم أنه يسعد الدول العربية التي لا ترغب في رؤية أحدها تتعرض للتقسيم على يد القوى الغربية؟ هذه هي بعض الأسئلة التي يجب على كلينتون وزيرة الخارجية السابقة والسيدة الأولى السابقة أن تفكر فيها. إن التعهد بتسليح الأكراد في مثل هذا الوقت ليس مسؤولية، ولكنه لعب بالنار وبالمصالح الأمريكية أيضا.
ومن زاوية أخرى استخدمت الولايات المتحدة القوى القومية الكردية العراقية أربع مرات منذ الحرب العالمية الثانية بجزرة الحكم الذاتي أو الاستقلال، ثم تخلت عنهم في اللحظة الأخيرة على حساب الأكراد أنفسهم. والآن تنصب لعبة شبيهة في المسرح السوري. ويبدو أن الأكراد يثقون في الولايات المتحدة أكثر مما وثقوا في أي شخص أخر حتى الآن، وربما لا يفكرون في أنهم يساقون إلى الفشل للمرة الخامسة.
ترك برس