قال الكاتب البريطاني ديفيد هيرست إن نجاحا سعوديا سريعا في اليمن، “سيعزز علاقة الرياض مع أنقرة، وسيقود إلى مرحلة جديدة من التحالف بين البلدين، ولكن هذه المرة في سوريا”، ما سيبرز هاتين الدولتين الإقليميتين، كونهما قوتين تعيدان التوازن في بلدين مزقتهما الحروب (العراق وسوريا)، و”تعملان على استعادة السيطرة على الحيز الذي ملأه تنظيم الدولة من غياب الزعامة السنية”.
ولكن هيرست أضاف، في مقاله المنشور على موقع الهافينجتون بوست الأمريكي، أن إطالة أمد الحرب في اليمن قد ترجع بالفائدة على إيران، موضحا أن طهران تقدر أن بإمكانها أن “تجني بعض المكاسب من تورط السعوديين”، إذ إن ذلك سيضعف موقف الرياض تجاه تدخل إيران في العراق وسوريا، اللتين تُعَدّان خط الدفاع الأول عن إيران، على حد تعبيره.
وأضاف هيرست أن السعودية تمر بمرحلة دقيقة في حملتها الجوية ضد الحوثيين في اليمن، إذ إنه مع تحقق بعض الإنجازات من الحملة، إلا أنها لم تحقق أيا من أهدافها السياسية بعد ثلاثة أسابيع، “فالحوثيون لم يغادروا أيا من المدن التي استولوا عليها، ولم ينجح التحالف في إعادة تنصيب هادي رئيسا لليمن، ولم يبدأ بعد الحوار الوطني للاتفاق على تشكيل حكومة وطنية”.
وتابع بأن السعوديين لا زالوا بعيدين عسكريا “عن إيجاد شخصية وطنية يمكن الالتفاف حولها لتزعم المقاومة على الأرض داخل اليمن، ناهيك عن أن يتمكنوا من توحيد القوات التي تقاتل الحوثيين تحت زعامة مثل هذه الشخصية”، على حد قوله.
وتابع الكاتب البريطاني في هذا السياق، بأن “كل محاولات ضمان وقف لإطلاق النار باءت بالفشل بسبب الإصرار على مطلب أن ينسحب الحوثيون من المدن الرئيسية التي استولوا عليها”، كما أن الرئيس التركي رجب أردوغان لم يفلح بإقناع نظيره حسن روحاني بضرورة انسحاب المليشيات، ما يؤدي بالسعوديين مع رفض وقف إطلاق النار إلى “خيارين لا ثالث لهما: أن يقاتلوا الحوثيين باستخدام قوى مسلحة محلية، أو أن يشكلوا قوة قتالية خارجية تبدأ بالدخول عبر عدن عنوة، وكلا الخيارين محفوف بالمخاطر والتحديات الكبيرة”، على حد قوله.
وحول خيار استخدام قوى مسلحة محلية، قال هيرست إن “دعم القوى القبلية سيفضي بالضرورة إلى تسليح التجمع اليمني للإصلاح”، مشيرا إلى أن ذلك سيمثل انقلاباً جذرياً في الموقف السياسي السعودي الذي كان يقوم أساساً على مكافحة جماعة الإخوان المسلمين في كل قطر عربي تبرز فيه كقوة سياسية رئيسية”.
وكشف هيرست نقلا عن مصادر أن “مسؤولاً سياسياً رفيع المستوى في التجمع اليمني للإصلاح زار الرياض مؤخرا”، ما يعني أنه تم رفع الحظر السعودي المفروض على الاتصال المباشر مع أي جماعة ترتبط بالإخوان المسلمين، مستدركا أن تنصيب حكومة يدعمها الإصلاح في صنعاء يتطلب أكثر من ذلك، وما زال من غير المعروف يقيناً ما إذا كانت الرياض مستعدة فعلاً لذلك.
واعتبر هيرست أن تعيين بحاح نائبا للرئيس مؤشرا على إقرار السعوديين بضعف هادي من الناحية السياسية في اليمن، مشيرا إلى أن السعودية تتطلع إلى علي محسن الأحمر، مع تخوف هادي منه، لسببين: انحداره من الشمال، وقربه من التجمع اليمني للإصلاح، على حد قوله.
وحول خيار القوات البرية، أشار هيرست إلى أن السعودية ستكون بحاجة لحلفائها، لأنها “تعلم أنها لا تمتلك القوات الكافية التي ستتمكن من خلالها من إنجاز هذه المهمة بشكل منفرد”، والبلدان المؤهلة لذلك، بحسب هيرست، هي: تركيا، وباكستان، ومصر، والأردن.
وناقش المقال هذه الخيارات بالتفصيل، معتبرا أن باكستان لها أسبابها المنطقية التي جعلتها ترفض التدخل، “إن لباكستان حدوداً مشتركة مع إيران، ولديها أقلية شيعية خاصة بها، واستيراد صراع من منطقة الخليج، بينما البلاد مشغولة في مواجهة تمردين داخل أراضيها -واحد من قبل الطالبان، والآخر من قبل البلوش- قد لا يكون ضمن أولويات أجندة العسكر في الباكستان”، بحسب هيرست.
وحول الأردن، اعتبر هيرست أن العلاقة متوترة مع السعودية، لأن “عمان كانت تواقة لفتح صفحة دبلوماسية جديدة مع إيران”، خصوصا بعد الزيارات المتبادلة بين الطرفين في الفترة الأخيرة.
أما بالنسبة لمصر، فإن اليمن “قضية خاسرة” على كل الأحوال، فلا مفر إن تم الزج بالقوات المصرية في حرب برية هناك من وقوع قتلى، الأمر الذي سيبعث من جديد ذكريات أليمة، فمصر فقدت ما لا يقل عن 22 ألف رجل حينما قاتلت آخر مرة في اليمن، ولذلك لن تحظى هذه الحرب برضى عموم الناس في مصر، ناهيك عن أن الجيش المصري مستنزف الآن في سيناء وفي حراسة المواقع الاستراتيجية في أنحاء مصر، بحسب تعبيره.
واعتبر هيرست أن المشاركة المصرية البرية تؤثر سلباً على العلاقات مع كل من روسيا وإيران. ولكن، فيما لو رفضت مصر الطلب السعودي، فسيكون ذلك بمثابة القشة الأخيرة التي ستقصم ظهر علاقة نظام عبد الفتاح السيسي بمموله الرئيسي.
يضاف إلى ذلك أن الملك السعودي سرق الأضواء من السيسي حينما بادر بشن الهجوم الجوي قبل انعقاد قمة شرم الشيخ بثلاثة أيام. ولقد عجل الملك سلمان بالمغادرة مباشرة بعد أن ألقى كلمته أمام المؤتمرين، مخلفاً وراءه وزير خارجيته ليشتبك مع مضيفيه المصريين في مداخلة غاضبة إثر قراءة رسالة وردت للمؤتمر من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. فما كان من وسائل الإعلام المؤيدة للسيسي إلا أن شنت موجة من الهجمات على المملكة العربية السعودية بخصوص حملتها في اليمن.
وحول العلاقات بين السعوديين والإماراتيين، الذين يساهمون بثاني أكبر أسطول من الطائرات في الحملة الجوية، أشار هيرست إلى أنها “ليست في أحسن أحوالها هي الأخرى، ولا يبذل أي من الطرفين أدنى جهد لإخفاء التدهور الحاصل في هذه العلاقات. فلا ابن زايد ولا رئيس وزرائه حضرا للمشاركة في قمة الجامعة العربية”.
وأضاف هيرست أن الملك سلمان ليس راغبا في استرضاء الإمارات، “لأنه يعرف معرفة يقينية بارتباطاتهم بعلي عبد الله صالح وبابنه أحمد”، ما جعل الإماراتيين يتوجسون من عواقب النجاح السعودي في اليمن، الذي بدوره يؤدي إلى حدوث تغيير في الحلف الاستراتيجي، قد ينتج عنه دخول السعودية في حلف مع تركيا، بحسب قوله.
واعتبر هيرست أن أفضل شريك للسعودية لاحتواء النفوذ الإيراني، هو أنقرة، إذ “إنهم من جهتهم يحتاجون إلى مساندة السعودية لهم في مشروعهم المتعثر منذ زمن لإقامة منطقة عزل في شمال سوريا، وهو المشروع الذي كان أوباما قد عارضه في الماضي، ولكن قد لا يتمكن من الاستمرار في معارضته طويلا”.
عربي 21