هل يمكن لقانون قيصر أن ينهي حكم الأسد؟
على الرغم من أن قانون قيصر قد أقره المشرعون الأمريكيون لأسباب إنسانية تتعلق بحماية المدنيين السوريين، ومع أنه لا يتخذ من إسقاط الأسد أو إنهاء نظامه هدفاً معلناً، إلا آليات تطبيقه وشروط رفع عقوباته تجعل منه ورقة ضغط حاسمة بيد الإدارة الأمريكية في أية مفاوضات مستقبلية لحل الأزمة السورية.
فالقانون الذي تبلغ مدة سريانه عشرة أعوام يربط إنهاء العقوبات الاقتصادية والسياسية القاسية على النظام السوري بتقدم الحل السياسي القائم على مقررات جنييف التي وصفت بأنها مقتل الأسد وكذلك بقرار مجلس الأمن رقم ٢٢٥٤ والذي يشكل الإنتقال السياسي وتجريد رأس النظام من صلاحياته إحدى أهم مرتكزاته. وعليه فإن محاولات النظام التملص من تنفيذ القرارات الدولية، ومساعي إيران الداعمة للأسد لتحقيق نفوذ مستدام لها في سوريا، وسعي روسيا إلى الإلتفاف على الشرعية الأممية عبر حلولها المفصلة على مقاس مصالحها، كل ذلك سيصطدم عاجلاً أم آجلاً بعقوبات مشددة تطال جميع من ذكروا إلى حين تنفيذ قائمة المطالب الأمريكية المدعومة أوروبياً والتي ينص عليها قانون قيصر إبتداءاً من انتقال سياسي ودستور جديد، وانتهاءاً بحكومة جامعة رشيدة، وما بينهما من عودة آمنة وكريمة للاجئين وانتخابات حرة ونزيهة بإشراف أممي.
قد لا يسقط قانون قيصر الأسد عاجلاً، لكن كثيراً من المؤشرات تنبئ أنه سينجح أو نجح فعلاً في جعل النظام السوري ورأسه عبءاً على داعميه، وفي جعل التدخل الروسي والإيراني عبءاً على أصحابه. مقاربة أمريكية تقليدية إذاً تلك التي تتبعها واشنطن حيال الملف السوري مفادها أن سيوف العقوبات أمضى من سيوف الحروب وأن ضرورات المصالح تبيح للطامعين أو المتضررين الغدر بحلفائهم، وأما الانتصارات العسكرية فلا قيمة لها ما لم تستثمر سياسياً. فهل يسقط الأسد بضربة “قيصر” القاضية؟ الآثار الاقتصادية
يرى مراقبون أن إقرار قانون قيصر سيمنع الأسد وحلفائه من استثمار انتصارتهم العسكرية سياسياً، وسيقطع الطريق على محاولات روسيا تعويم النظام السوري أو إعادة إنتاجه يفرض قانون قيصر على النظام السوري وداعميه وحتى المتعاملين معه عقوبات اقتصادية وصفت بأنها الأقسى في التاريخ. إذ يعتبر القانون في فقرته الأولى أن المصرف المركزي السوري هو “مؤسسة حكومية لغسيل الأموال” ويفرض رقابة صارمة على تعاملاته وعلاقاته بالمؤسسات المالية الإقليمية منها والدولية، مع إقرار آلية تحد من قدراته على توفير إحتياطات بالقطع الأجنبي وخاصة بالدولار. وعليه فإن النظام السوري سيعجز تدريجياً عن فتح خطوط ائتمان أو اعتمادات لاستيراد المشتقات النفطية أو السلع الغذائية الأساسية أو حتى المواد الأولية المستخدمة في الصناعات التحويلية. كما يشمل القانون بالعقوبات كل الجهات التي توفر الطائرات أو قطع غيارها لشركات الطيران السورية، أو تلك التي تشارك في مشاريع البناء والهندسة التي تسيطر عليها الحكومة السورية، أو التي تدعم صناعة الطاقة في سوريا.
وبالنظر إلى واقع الاقتصاد السوري حالياً، يظهر جلياً أن آثار قانون قيصر قد بدأت بالظهور حتى قبل سريانه رسمياً. فقد شهدت الليرة تراجعاً غير مسبوق في قيمتها أمام الدولار، مع نقص حاد في إمدادات الطاقة من نفط وغاز ناهيك عن ارتفاع مطرد بأسعار السلع الأساسية. كان ذلك نتيجة إحجام العديد من التجار والشركات عن التعامل مع الحكومة السورية خوفاً من العقوبات المحتملة لقانون قيصر. ولا أدل على ذلك من تصريحات الملحق التجاري الأمريكي في عمان والذي حذر خلال اجتماعه بعدد من التجار الأردنيين من توجيه تجارتهم نحو سوريا، وطلب منهم الالتفات نحو العراق، وأكد المسؤول الأمريكي قائلاً: “من سيتعامل مع سوريا (النظام) بعلاقات تجارية عليه أن يتحمل تبعات ذلك، بما في ذلك تطبيق قانون قيصر الأمريكي”.
الآثار السياسية
يرى مراقبون أن إقرار قانون قيصر سيمنع الأسد وحلفائه من استثمار انتصارتهم العسكرية سياسياً، وسيقطع الطريق على محاولات روسيا تعويم النظام السوري أو إعادة إنتاجه. فقد بدا واضحاً أن إعادة طرح القانون والتذكير بعقوباته جاء كردة فعل على ما وصف بأنه لهاث بعض الأنظمة العربية من أجل التطبيع مع النظام السوري. فالإمارات والبحرين اتخذتا خطوات ملموسة لإعادة العلاقات مع الأسد وفتح سفارتيهما في دمشق من جديد، في حين نقل مبعوث الرئيس الروسي عن السعودية رغبتها في تحسين العلاقات وتجاوز الخلافات مع نظام الأسد في الوقت الذي كانت فيه مصر تقود جهوداً دبلوماسية حثيثة بهدف إلغاء تجميد عضوية سوريا في جامعة الدول العربية. حملة التطبيع المحمومة تلك توقفت فجأة بعد أن صرح متحدث باسم البيت الأبيض أنه على الدول الساعية لكسر عزلة الأسد أن تفكر في عواقب ذلك مذكراً أن عقوبات قانون قيصر يمكن أن تطال كل من يتقارب أو يتعاون مع النظام السوري.
المصدر: مدونات الجزيرة