“ماما نحن ليش طلعنا من بيتنا وجينا لهون، نفس الشي، بس هنيك أحلى كنت شوف رفقاتي وألعب معهن، كنت نام بتختي وعنا كل شي، هون ما في ألنا شي غير تيابنا، بدي أرجع عحلب، وأرجع أتحاصر بس نام ببيتنا”، بكلماته العفوية النابعة من صميم قلب أخذت دقاته تتسارع غضبا وخوفا، عبّر “سامي” ابن الثامنة عن ردة فعله إزاء الغارات المتتالية التي استهدفت مدينة ادلب فجرا، فاستفاق من نومه مرعوبا وبدأ يرتجف ويستنجد بوالدته التي بدورها ضمته لصدرها وأخذت تردد أدعية وآيات قرآنية علّها تبعد عن عائلتها شر إحدى الغارات.
ففي علم النفس ينصح بعدم إيقاظ شخص مستغرق في النوم بشكل مفاجئ خشية إصابته بصدمة قلبية أو بمرض السكر، إلا أن الوضع في سوريا مختلف تماما، فقد اعتاد المدنيون على مختلف أنواع الصدمات، ليصبح الموت اعتياديا وتسقط رهبته عندما يكثر حدوثه وينعدم الأمان، فآل بهم الحال ليحسدوا الشهيد على موته ويقولون العبارة الشهيرة :” نيالوا مات ورتاح”.
ظنّ “سامي” أنه بخروجه من حلب المحاصرة سيصل لبر الأمان وينعم بحياة هانئة بعيدا عن القذائف والصواريخ، بعيدا عن الدمار والجوع، وسيعيش في مدينة تتوفر فيها سبل الراحة ويجد في أسواقها ما تشتهيه نفسه، إلا أن الوضع لم يختلف عليه بتاتا، فالغارات الحاقدة رافقته في رحلته المتعبة وأبت طائرات النظام وحليفتها روسيا أن تتركه وجميع المهجرين ليعيشوا بسلام، بل كثفت حملتها في ادلب وريفها ضاربة بعرض الحائط الاتفاقيات التي تكلفت الدول الثلاث (روسيا، إيران، تركيا) مع وفد النظام والمعارضة عناء مناقشة بنودها وضمان وضع آلية مراقبة لوقف إطلاق النار الذي لم يشهدوا لحدوثه قط.
ومنذ تأزم الوضع في سوريا، وبدء تشكيل المعارضة المسلحة وخروج بعض المناطق الحدودية عن سيطرة النظام، دار الحديث طويلا عن إقامة مناطق آمنة للمدنيين لحمايتهم وعزلهم عن مناطق الصراع والاشتباكات المستمرة، ومضت سنوات من عمر الحرب ومازال الحديث عنها قائما دون أن يرتقي درجة ويدخل طور التنفيذ، وكأنه إبرة مخدر تعطى على مراحل للشعب كي يصمت عن ظلمه وفقده المادي والمعنوي وحتى البشري ليحصل على هذا الأمان المنشود.
وها هو ترامب منذ تنصيبه رئيسا للولايات المتحدة أراد اتباع تلك السياسة الزائفة لكسب بعض الود من قبل الشعب السوري الثائر ويعدهم بتلك المناطق الآمنة، وفور انتهاء إحدى جولات المفاوضات بين الأطراف التي من المفترض أن يكون فيها أطراف تمثل الشعب، اتضح بشكل ضبابي أن المناطق ستكون فقط من منطقة عزاز الحدودية مع تركيا إلى جرابلس ما يعني أنها ذات المناطق التي لا تشهد قصفا مستمرا وهذا يدل على شيء واحد حماية حدود تركيا مع سوريا من المتطرفين والتنظيمات الإرهابية، وبالنهاية ستكون لصالح الدولة الشقيقة التي أغلقت حدودها في وجه اللاجئين وقررت زيادة معاناتهم.
وأخيرا فقد الشعب ثقته بأي طرف يدّعي حرصه على مصالحهم وأمنهم، ليكون الموت وحده مصيرهم أينما وطأت أقدامهم وفي المناطق التي يحق لهم أصلا دخولها، فها هو سامي يبكي ويقول لوالدته “بدي أرجع موت بحلب ببلدي حاج يضحكوا علينا خسرنا كل شي”.
مجلة الحدث_ سماح الخالد