بعد الإعلان عن التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار في سوريا بين قوات النظام وقوى المعارضة نهاية عام 2016، وبرعاية أكثر الدول تأثيراً بالساحة السورية في الآونة الأخيرة؛ إيران وروسيا وتركيا، بدأت الأنظار تتجه لمصير علاقة الحكومة التركية بأحزاب المعارضة السورية التي دعمتها منذ بداية ثورتها على نظام الحكم في البلاد.
رأى بعض المحللين في الاتفاق بداية لنهاية علاقة الود التي جمعت بين الطرفين، وهو ما نفته الحكومة التركية التي أكدت مراراً استمرار دعمها لقوى المعارضة المعتدلة في سوريا، لحين تمكنها من نيل حقوق الشعب السوري وإسقاط النظام الحاكم.
لكن التحركات على أرض الواقع بدت وكأن الأتراك تخلوا عن المطالبة برحيل الأسد كحل للأزمة السورية المستمرة منذ سنوات طويلة، فهل قبِل الأتراك فعلاً بقاء بشار الأسد في سدة الحكم؟
مناورة سياسية
يؤكد أستاذ العلاقات الدولية ورئيس مركز البحوث الاستراتيجية في الشرق الأوسط، شعبان كارداش، لـ”هافينغتون بوست عربي”، أن الاتفاق الذي سعت تركيا لتوقيعه كان بمثابة مناورة سياسية لا تعني تخلي أنقرة عن دعم حلفائها في سوريا.
ويرى كارداش أن وصف روسيا للمعارضة السورية تغير بعد توقيع الاتفاق، فالقوى نفسها التي وصفتها روسيا بالإرهابية سابقاً، في إشارة إلى الفصائل التي تدعمها تركيا، ستجلس معها على طاولة الحوار كشريك في حل الصراع المستمر بسوريا، وهو ما يشكل -بالنسبة لكارداش- انتصاراً سياسياً يُحسب لقادة أنقرة.
ويستبعد الباحث التركي في مركز “سيتا” للأبحاث، جان أجون، في حديثه لـ”هافينغتون بوست عربي” الرواية التي تتحدث عن تخلي تركيا عن المعارضة السورية.
وحذر من حملات “البروباغندا” التي تطلقها بعض الجهات المنزعجة من الاتفاق التركي-الروسي-الإيراني والمستفيدة من استمرار الصراع في سوريا؛ “كالأحزاب الكردية التي تصفها أنقرة بالإرهابية وغيرها”، على حد تعبيره.
ويؤكد أجون أن موقف الحكومة التركية فيما يتعلق بالصراع السوري لم يتغير، مشيراً إلى أهمية استقرار سوريا لدى الأتراك؛ لما لذلك من انعكاسات إيجابية على الأوضاع الأمنية بتركيا. وفي هذا الصدد، يحذر أجون من خطورة انهيار اتفاق وقف إطلاق النار المعلن في سوريا والعودة إلى المربع الأول مجدداً.
بقاء بشار الأسد
ويقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة مرمرة التركية، إيمري إرشان، إن الحكومة التركية قد تقنع المعارضة السورية، خلال جلسات الحوار القادمة، بقبول بقاء بشار الأسد في الحكم لفترة انتقالية يجري فيها التحضير لانتخابات رئاسية على ألا يُعلن الأسد ترشحه فيها.
ويؤكد إرشان أن تركيا هي الجهة الوحيدة القادرة على إقناع قوى المعارضة بسوريا؛ لكونها الداعم الوحيد لها في الوقت الراهن، بعد أن تخلى عنها الغرب وانشغل بمحاربة تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش).
ويتابع إرشان حديثه، مستبعداً حدوث تغير في العلاقة بين الأسد وتركيا، التي يؤكد مسؤولوها كل مرة عدم قبولهم بقاء الأخير في سدة الحكم.
وتناول تقرير نشره موقع “vocativ” الأميركي، حول علاقة أنقرة بالثوار في سوريا، العوامل التي أكد أنها دفعت الأتراك لتغيير موقفهم من الاستمرار في دعم المعارضة السورية.
وتمثلت تلك العوامل بتكبد الثوار خسائر كبيرة على الأرض تجلت في سقوط حلب بأيدي النظام، والتي شكلت -وفقاً لما جاء في التقرير- ضربة ضد الجيش السوري الحر، وهي المجموعة المعتدلة التي بشَّرت بها تركيا والغرب، باعتبارها أفضل أمل لدولة ديمقراطية مدنية في سوريا.
مستقبل غامض
ويُجمع المحللون على صعوبة التكهن بنتائج الحوار المزمع عقده في العاصمة الكازاخستانية أستانة لمناقشة القضية السورية خلال الأيام المقبلة، ويحذرون من فشل المحادثات على غرار سابقتها التي استضافتها مدن أوروبية عديدة خلال السنوات الماضية.
ويبدي الباحث جان أجون تخوفه من فشل روسيا وتركيا في ضمان استمرار وقف إطلاق النار بسوريا، لا سيما بعدما خرق النظام السوري الاتفاق مرات عديدة في الغوطة، حسب أجون.
ووفقاً لإيمري إرشان، فإنه من المبكر جداً الحديث عن فشل أو نجاح اتفاق وقف القتال بسوريا في ظل ما تشهده المنطقة من تطورات متسارعة.
ويرى المحللون في التقارب الروسي-التركي الذي أدى إلى التوصل لذلك الاتفاق، دلالات عدة يشير أغلبها إلى إصرار مسؤولي البلدين على إرسال رسائل سياسية لأطراف عديدة؛ أبرزها الولايات المتحدة الأميركية، لاسيما وهي تستعد لاستقبال رئيسها الجديد المثير للجدل دونالد ترامب.
وتناولت وسائل الإعلام التركية، خلال الأيام التي تلت توقيع الاتفاق، تقارير تحدثت عن قرب إغلاق السلطات التركية قاعدة إنجيرليك الجوية أمام القوات الأميركية، قبل أن يخرج عدد من المسؤولين الأتراك، وأبرزهم وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، ويفندوا تلك التقارير.
وزير الخارجية التركي، لم يكتف بنفي الخبر وحسب؛ بل وجه آنذاك رسالة مبطنة أكد فيها أن القاعدة فُتحت أمام قوات التحالف الدولي لمحاربة تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش)، وفي حال قررت تلك القوات عدم المساعدة في ضرب عناصر ومواقع تنظيم داعش فإنه لن تبقى أية أهمية لوجودها، على حد تعبيره.
ومع تسارع وتيرة الأحداث في سوريا والمنطقة ستتجه الأنظار إلى مدينة أستانة بكازاخستان، حيث من المقرر أن تُعقد محادثات السلام؛ من أجل تسوية النزاع في سوريا، تحت رعاية روسيا وتركيا وإيران، في 23 يناير/كانون الثاني 2017، وفق ما أعلنه مصدر دبلوماسي روسي في وقت سابق.
المصدر:هافينغتون بوست عربي