يقرر الاردن اعتبار الحدود الشمالية، والشمالية الشرقية، مناطق عسكرية مغلقة، بعد الاعتداء فجرا على نقطة اغاثية – عسكرية، واستشهاد ثلة شريفة من الجيش والدفاع المدني والامن العام، في ذلك الموقع، الذي يستقبل اللاجئين من حمص ومناطق سورية اخرى.
هذا الاعلان يعني فعليا اغلاق الحدود في وجه اللاجئين، لأن الاردن بعد الحادثة، لم يعد يمتلك ترف التدقيق في طبيعة السيارة القادمة، او طبيعة الشخص او المجموعة المتحركة، نحو الحدود، وهذا يعني فعليا وقف تدفق اللاجئين السوريين الى الاردن، كليا، بعد ان دخل اكثر من مليون ونصف شقيق سوري، خلال السنين الفائتة.
هنا لابد من الاشارة الى ان ذات السوريين ضحايا لمن نفذ العملية، فليسوا هم السبب، فالعملية نفذها تنظيم داعش، او نفذته جهة امنية عبر خرق امني لتنظيم او مجموعة مسلحة، لغايات تصدير الكأس المرة التي يشرب منها الجميع الى الاردن!!!
هكذا يتمكن من نفذ العملية وآذى الاردنيين في ابنائهم في صبيحة السادس عشر من رمضان، من ايذاء السوريين ايضا، عبر وقف تدفقهم للاردن، وحشرهم في المناطق المنكوبة، او في مخيمات الحدود، فوق التأثير على وصول المساعدات الدولية عبر الاردن الى هؤلاء، فالضربة كانت مزدوجة.
لعبة التنظيم مع الاردن، او من يحرك بعض اجنحة التنظيم في بعض الحالات، بدأت على ما يبدو بشكل مختلف، وهذا يعني دون اثارة للذعر او الخوف اننا امام مرحلة مختلفة جدا، فقد سلم الاردن طول سنوات فوضى الربيع العربي، وما يتعرض له التنظيم من جهة، وما تتعرض ايضا له بعض العواصم العربية والاقليمية، يدفع باتجاه سيناريو توسيع دائرة الفوضى، عبر محاولة ربط الجبهات السورية والعراقية بالاردن، لاعتبارات كثيرة، وهي خدمة، لا تعرف لمن تؤول فوائدها، للتنظيم الذي يواجه حربا كبرى، اما لعيون عواصم تريد خلط الاوراق، ام للطرفين معا، من حيث التقاء المصالح بشكل مقصود او غير مقصود، فالمستفيدين من عملية البارحة الثلاثاء، اكثر من طرف.
الذي يحلل الاسابيع الاخيرة، يكتشف ان عمليات التنظيم باتت تتم في كل مكان، وفي كل قارة، من المنفذين الفرديين، الى العمليات، وهذا يعني اننا في الاردن، امام احتمالات حساسة جدا، قد لا يكفي معها اغلاق الحدود، فالخطر قابل للنفاذ من مواقع عدة، اضافة الى الخطر الكامن في الداخل، وكل هذا يلقي عبئا كبيرا جدا، على المؤسسة الرسمية، وعلى الناس ايضا، من ناحية معنوية وامنية واقتصادية واجتماعية.
هل ستكون خطوة اغلاق الحدود كافية، لمنع تكرار هكذا حوادث ؟.ربما. لكن ما الذي سيفعله الاردن لو قرر احد ما، تنظيما كان ام جهة اخرى، ان يصدر الخطر بطريقة مختلفة، عبر استهداف مواقع حدودية بالصواريخ، او اي شكل آخر، وهذا يعني ان اغلاق الحدود على اهميته احترازيا، يبدو كافيا اليوم، وقد لا يبدو كافيا بعد قليل، وقد نجد انفسنا مضطرين لسيناريو يرفضه كثيرون تخوفا من كلفته، وهو الدخول في مناطق سورية، واقامة مناطق آمنة، وتنظيف بعض المناطق من بعض البؤر فيها، وهو امر يثير ذعر كثيرين، تخوفا من آثاره، لكنه قد يبدو السيناريو الوحيد اذا تدفقت الاخطار بطريقة مختلفة، ولحظتها ربما يصير مطلوبا من الاردن اتخاذ خطوات اضافية.
المثير في هذا السيناريو ان الذين يرفضونه يعتقدون انه توريط للاردن في الحرب السورية، وان هذه العمليات قد يراد منها استدراج الاردن والجيش لحروب في دول الجوار، وهي مخاوف منطقية ومشروعة ووطنية، لكن ماذا لو قرر الاردن ان لا يتدخل اذا اضطر، وبقي يتلقى الضربات، الواحدة تلو الاخرى، فهل سيسكت المتحسسون من السيناريو آنف الذكر، ام انهم لحظتها سوف يوجهون اللوم للدولة، التي لا تحمي مواطنيها، ولا تحاول خلع اظافر العدو، بطرق مختلفة، فهي ثنائية معقدة، اينما قلبت وجهها، جاءت لك، بتفسيرات صعبة، ومثيرة على حد سواء.
ما يمكن استخلاصه امرين اليوم، ان المعركة مع التنظيم بدأت للتو، فعليا، وعلينا ان نتوقع احداثا اخرى بأشكال وانماط مختلفة داخليا وخارجيا، اضافة الى اننا قد نكتشف في توقيت ما، ان اغلاق الحدود الشمالية والشمالية الشرقية، لم يعد كافيا، ولابد من حلول اخرى، كان بعضنا يرفضها، وقد لا يكون متوفرا في لحظة ما سواها.
الدستور