خطة ممنهجة ومدروسة يتَّبعها النظام السوري للسيطرة على مراكز المدن, ولا سيما في الآونة الأخيرة, وتتمثل في فتح المعارك على أطراف المدن والانتشار والتموضع في النقاط التي يكسبها بعد أن يقوم بتحصينها بشكل جيد, بهدف إطباق الحصار, عن طريق قطع كل طرق الإمداد لداخل هذه المدن, ويبدو أن الاستشارات “العسكرية” الإيرانية والروسية للنظام السوري بتفعيل أسلوب الحصار وسياسة الخنق المخيف للمدنيين من جهة, والثوار من جهة أخرى داخل أماكن سيطرتهم في قلب المدن, باتت تعطيه نتائج ملموسة ومفيدة على أرض الواقع.
بدأت هذه الخطة ودخلت حيز التنفيذ بدءاً من الغوطة الشرقية في ريف دمشق, حيث نجح النظام بتقطيع أوصالها وتطبيق قاعدة “فكي الكماشة” على أغلب المدن والبلدات المنتشرة فيها, ثم بدأت تتوسع حملة الحصار وسياسة تقطيع الأوصال لتشمل بعض المراكز في الغوطة الغربية والقلمون بريف دمشق والريف الشمالي لمدينة حمص وحي “الوعر” تحديدا.
ولكن الأنظار تتجه اليوم إلى معارك منطقة الملَاح التي ستتحكم بمصير طريق الكاستيلو الذي يعتبر “شريان الحياة” الوحيد بالنسبة لمدينة حلب المحررة.
يدرك النظام تماما أن المعركة في حلب هي معركة استراتيجية هامة ولا سيما أن مدينة حلب هي العاصمة الاقتصادية الأولى في سورية, فضلا عن أنها تلقَّب بعاصمة الشمال السوري ومركز الثقل الحساس, وهذا من الناحية المعنوية.
أما من الناحية المادية, فالسيطرة على مدينة حلب عسكريا تُعتَبر مكسب حقيقي وفعال على أرض الواقع ونقطة البداية للانطلاق بخطة تقطيع الأوصال والحصار التي يطمح النظام بتعميمها على كل الشمال السوري الخارج عن سيطرته, فضلا عن أنه سينجح بتحصين مواقعه في الشمال بغاية الوصول إلى الحدود السورية – التركية التي يعتبرها النظام السبب الرئيسي في تقديم الدعم اللوجيستي لفصائل الثوار والجيش الحر, أما من الناحية السياسية, فتُعَد السيطرة على مدينة حلب ورقة هامة يستخدمها النظام ومن ورائه الحليف الروسي في الضغط على المعارضة لتقديم المزيد من التنازلات, أو بالأحرى النزول عند رغبة النظام بتشكيل “حكومة وحدة وطنية” والتخلي عن قرار المطالبة بتشكيل “هيئة الحكم الانتقالية” ولا سيما أن المجتمع الدولي عاد مجددا لإطلاق الدعوات من أجل إعادة تفعيل ملف المفاوضات على طاولة “جنيف”.
وفي كل مرة يشرع النظام بحملة عسكرية جديدة تهدف إلى السيطرة على أطراف المدن كنقطة بداية لتطبيق خطة الحصار, يستشرس بتكثيف القصف وغزارة النيران ويوسع من استخدام الذخيرة الحية ولا سيما الخاصة بالأسلحة الثقيلة بمساندة الطائرات الحربية الروسية التي باتت جزءا أساسيا يعتمد عليه النظام للبدء بأي حملة عسكرية يرمي إليها.
وقد تحدثت العديد من وكالات الأنباء عن أكثر من 200 غارة روسية بمختلف أنواع القنابل الفوسفورية والعنقودية والفراغية, التي قادتها قوات النظام بمساندة المليشيات الأجنبية, ووصلت من خلالها إلى تخوم طريق الكاستيلو شمال حلب بعد أن سيطرت على مواقع مهمة في مزارع الملّاح.
ونقلا عن مراسل “وكالة شهبا برس”:
إن ما لا يقل عن 40 مدنيا “أغلبهم من الأطفال” استشهدوا يومي الخميس والجمعة الفائتين, إثر قصف جوي عنيف للطيران الحربي الروسي والتابع لقوات النظام على مناطق متفرقة من أحياء حلب وريفها الشمالي.
وبعد أن سيطرت قوات النظام والمليشيات الأجنبية المساندة لها على عدة نقاط حيوية داخل منطقة الملّاح, أصبحت على مسافة 2 كم من طريق الكاستيلو, حيث قطعت جزءا منه ناريا, مادفع الثوار إلى شن هجوم معاكس واستعادة بعض النقاط.
وعلى الرغم من أن الكثير من النشطاء السوريين داخل مدينة حلب المحررة يجمعون على أن المعارك الدائرة حاليا شمال المدينة, هي عبارة عن عمليات كر وفر, إلا أنهم لا يخفون مخاوفهم من نتائج تلك المعارك في حين انتهت بسيطرة النظام على طريق الكاستيلو ونجاحه في حصار ما يقارب 300 ألف مدني متواجدين داخل الأحياء المحررة في المدينة.
ويبقى السؤال الأبرز:
هل سينجح الثوار في قلب الطاولة على النظام وحلفائه وكسر شوكته في منطقة الملّاح والكاستيلو ؟!
أم أن النظام يسير في خطته لضم مدينة حلب إلى قائمة المدن المحاصرة في ريفي دمشق وحمص؟!
سؤال ينتظر الرد من قلب المعركة.
المركز الصحفي السوري – فادي أبو الجود.