أوضح الكاتب روبرت مري في مقال نشره في صحيفة الواشنطن تايمز أن الاستفتاء الأخير الذي حصل في تركيا، أنهى 93 عامًا من تاريخ تركيا. تنبأ الكاتب والفيلسوف الأمريكي الراحل هنتنغتون بفشل العلمانية التركية حيث أكد أن أتاتورك سلخ تركيا من هويتها الإسلامية واصطنع لها هوية غير إسلامية، وبالتالي هذه الهوية التي اصطنعها أتاتورك ستفشل، وبالفعل فشلت علمانية أتاتورك وتبخرت. ألغى الشعب التركي بطريقته الخاصة النظام العلماني الذي ظل جاثمًا على تركيا المسلمة، وقال الشعب كلمته «لا للعلمانية» نعم للتعديلات الدستورية، نعم لقيام دولة مدنية، تركية، حديثة، ذات هوية إسلامية، وليس هوية علمانية مزيفة.
صفع أردوغان الغرب من خلال الاستفتاء على بعض مواد الدستور التركي. استرد أردوغان هوية تركيا المسلوبة وقدم درسًا بليغًا للغرب، لن ينسوه. شاهدنا كيف قام الرئيس التركي رجب أردوغان في اليوم الثاني مباشرة بزيارة لقبور كل من: محمد الفاتح، ونجم الدين أربكان، وعدنان مندريس، ليقول لهم ها هي تركيا رجعت لهويتها الإسلامية، وتضحياتكم لم تذهب سدى، فقد حققنا ما كنتم تكافحون من أجله، وإنّا على دربكم ونهجكم سائرون مهما كانت التحديات. إنّها لحظات تاريخية، سيسجلها التاريخ في صفحاته البيضاء. شلت هذه الزيارة المفاجئة النوم من عيون صناع القرار في القارة العجوز، وجعلتهم يخرجون بتصريحات عدائية، صليبية، صريحة، ضد تركيا المسلمة، ويتهمون أردوغان بالديكتاتور، بل وتصدر لجان مراقبتهم تصريحات وتقارير من هنا وهناك تشكك في نزاهة الانتخابات، وتؤلب أحزاب المعارضة ضد الرئيس أردوغان.
حاول رؤساء الأحزاب المعارضة التركية الطعن في نتائج الانتخابات، لكن اللجنة العليا لم تقبل بذلك، وبالتالي فشل المخطط الغربي. بعد ذلك، خرج قادة القارة العجوز يدعون أردوغان للحوار مع المعارضة، فيرد عليهم الرجل الواثق بعدالة قضيته، فلتصمتوا أيها الصليبيون، لقد قال الشعب كلمته، ولن نسمع للأبواق الداخلية، ولا لمناشداتكم الزائفة، والكاذبة، والمليئة بالمكر ضد تركيا المسلمة أن تمرر.
لن ينسى الأتراك، ومعهم العرب والمسلمون التاريخ المشؤوم لكمال أتاتورك، ودوره المحوري في تفكيك الخلافة الإسلامية. ذلك الرجل الذي خان الأمانة، وسلب هوية تركيا المسلمة، وفكك الخلافة الإسلامية. قام أتاتورك بعد انقلابه المشؤوم على الخلافة الإسلامية بتحويل المساجد إلى أماكن للهو وشرب الخمور، وألغى الأذان في المساجد، ومنع الحجاب، وألغى اللغة العربية، وهي لغة القرآن الكريم، ومنع الحج، ودمر كل ما هو إسلامي، بحجة أن تركيا ليست شرقية ولا إسلامية وأنّها غربية وبالتالي هي دولة علمانية بامتياز.
تمكن أتاتورك من تثبيت أركان حكمه في تركيا المسلمة ونشر ثقافة الغرب الصليبية بقوة الحديد والنار وأسكت كل صوت حر. لكن القوة لا تدوم، وحبل الكذب قصير، والمستقبل في الأخير هو لأصحاب الحق، طال الزمن أو قصر، وهو ما نراه اليوم في تركيا المسلمة.
لقد حاولت الأحزاب الإسلامية التركية على مدى العقود الماضية انتشال تركيا من وحل العلمانية والظلم، لكن تلك المحاولات سرعان ما كانت تصطدم بالجيش، الذي يمسك بزمام الأمور. فعندما قام عدنان مندريس بفتح المساجد وإرجاع الأذان، والسماح للنساء بارتداء الحجاب، قام العسكر بشنقه في العام 1961. كان هذا عدنان مندريس هو أول زعيم سياسي منتخب بطريقة ديمقراطية مدنية في تاريخ تركيا. جاء بعد ذلك نجم الدين أربكان، وحاول أن يصلح الوضع، لكن العسكر ألقوه في غياهب السجن.
جاء الطيب أردوغان، القوي الأمين، وانتشل تركيا من وحل العلمانية المزورة إلى مصافي الشعوب الراقية والمتقدمة وقدم نموذجًا يحتذى به في منطقتنا العربية المكلومة والمنطقة ككل. كلنا يعرف كيف قفز أردوغان بتركيا المسلمة من دولة فقيرة غارقة بالديون إلى دولة اقتصادية عملاقة. هذا النجاح الباهر جعل الشعب التركي بكل أطيافه يثق في أردوغان.
يبدو أن نبوءة هنتنغتون في كتابه الشهير «صدام الحضارات» حول قدرة تركيا على قيادة العالم الإسلامي قد تحققت ولو جزئيًا، خصوصًا بعد الاستفتاء الأخير على التعديلات الدستورية. تركيا اليوم ليست تركيا السبعينيات والثمانينيات. ستكون تركيا بعد الاستفتاء الذي أجري مؤخرًا دولة محورية في الشرق الأوسط، ولن يستطيع الغرب المنافق تمرير سياساته الاستعمارية في المنطقة العربية عبر عملائه العرب ممثلة بالأنظمة الديكتاتورية القمعية العربية. ستقف تركيا بجانب الشعوب العربية، ولن تسمح للأنظمة القمعية العربية بسحق شعوبها، هذا ما نأمله.
ترك برس