فيكتوريا سيميوشينا: تشير التصريحات الأخيرة من قبل القادة الأتراك، وكذلك المعلومات عن نقل قوات سعودية (الطيران على الأقل)، إلى أن احتمال وقوع عملية مشتركة تركية ـسعودية ضد سوريا بات وشيكاً.
عوامل خارجية وأخرى داخلية قد تدفع تركيا للجوء إلى الحرب ـ من بينها الصعوبات الاقتصادية والمسألة الكردية وقضية اللاجئين. وعلى الرغم من أن عمليات تركيا العسكرية تقتصر حتى الآن على القصف المدفعي للمناطق الحدودية، فمن غير المستبعد أن تحتل القوات التركية، تحت ذريعة مكافحة الإرهاب، جزءا من الأراضي السورية. في روسيا يعتقدون أن تركيا من الممكن أن تقدم على هكذا عملية، ولذا فإن لهجة الخطاب الروسي الرسمي بات واضح القسوة. فقد اعتبرت الممثلة الرسمية لوزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا أن قصف تركيا للأراضي السورية هو «عمل بلطجي». وأضافت «ان ما يحدث الآن على الحدود التركية السورية – هو بلطجة مطلقة.
في الوقت الذي تم فيه اعتماد وتوقيع إعلان ميونيخ من قبل المجموعة الدولية لدعم سوريا، حيث قررت جميع الأطراف وضع حد للعنف، بيد أن تركيا تقوم بقصف المناطق المأهولة عبر حدودها وتسمح عبرها بنقل الأموال والأشخاص والوسائل المادية والتقنية.
لأنه لا يمكنها، ببساطة، التعايش مع تحرير هذه المناطق من عصابات الإرهابيين والمتطرفين الذين رعتهم ودعمتهم لفترة طويلة».
من جانبها، اتهمت الحكومة التركية روسيا بالمسؤولية عن قصف مستشفى في محافظة إدلب السورية مدعوم من قبل المنظمة الدولية «أطباء بلا حدود». ولم يتمكن الأتراك من إثبات صحة هذا الاتهام. فيما أثبتت وزارة الدفاع الروسية لاحقاً براءتها من هذه العملية.
وقد صرح الرئيس التركي رجب طيب اردوغان أن انقرة لا تنوي تغيير موقفها وستواصل شن هجمات ضخمة على قوات حماية الشعب الكردية في سوريا، وذلك ردا على اطلاق النار من جانبهم – على حد زعمه. الأتراك يؤكدون أنهم سيدخلون إلى سوريا فقط برفقة الأمريكيين وبعد الحصول على قرار من مجلس الأمن – وإذا ما غيروا رأيهم فجأة وقرروا الذهاب إلى عملية عسكرية مستقلة، فإن ذلك يعني أنهم سيخالفون رغبة واشنطن.
تعتبر يكاترينا تشالكوفسكايا، المتخصصة في الشأن التركي والعاملة في معهد الشرق الأدنى، أن تركيا مهتمة بإعطاء انطباع بأنها مستعدة لبدء عملية برية في سوريا أكثر من اهتمامها بالتحضير لها فعلا.
فحسب تشالكوفسكايا «أولا، وقبل كل شيء، من دون دعم من حلفائها في الناتو، فإن تركيا لن تنجر إلى أزمة جديدة في سوريا. نحن نرى الآن أن حلف شمال الأطلسي وواشنطن على وجه الخصوص يتخذان موقفا حذرا ومترقبا. ومن الجدير بالذكر أن الولايات المتحدة في ردها على انذار تركيا «إما نحن أو الأكراد» فقد أوضحت موقفها المخالف لأنقرة، فواشنطن لا تعتبر الأكراد السوريين إرهابيين. ثانيا، ان العملية البرية التركية في سوريا غير ممكنة من دون دعم جوي. وفي ضوء حقيقة أن سلاح الجو الروسي ينفذ الآن عملية في سوريا. أعتقد أن أنقرة تبذل الآن قصارى جهدها لإيجاد حلفاء للقيام بعملية برية في سوريا. ولكن السؤال هو ـ هل ستنجح في ذلك أم لا؟ لذا أعتقد أنه على الأرجح خطاب لفظي موجه في المقام الأول نحو الجمهور للإستهلاك المحلي في تركيا والشارع العربي، حيث لا تزال صورة أردوغان كزعيم قوي وحازم مناضل من أجل حقوق المحرومين ومن أجل الديمقراطية في الشرق الأدنى».
حظي الأكراد السوريون، قبل بدء العملية الروسية، بدعم الأمريكيين ونُظر إليهم بعين العطف في موسكو – ولكن هذا لا يعني على الاطلاق ان روسيا مصممة على لعب الورقة الكردية ضد تركيا. والآن ها هو الجيش السوري يحاصر حلب وهو في طريقه إلى الوصول إلى الحدود التركية، وأما موسكو وواشنطن فقد اتفقتا وراء الكواليس في جنيف على مستقبل سوريا. لا يمكن لأردوغان الاعتراف أن كل سياسته بخصوص الأكراد السوريين قد فشلت. يمكنه الاستمرار في قصف الأكراد ـ وذلك على الرغم من أن القصف الأول قد أثار السخط ليس في موسكو فحسب، بل وفي واشنطن أيضا – ولكن ماذا يمكنه أن يفعل غير ذلك؟
يعتقد غومير ايساييف، المستشرق ومدير مركز سان بطرسبورغ لدراسات الشرق الأدنى المعاصر، أن من المحتمل أن تشرع تركيا بما يسمى بـ»الحرب الهجينة» في سوريا.
فحسب المستشرق «ربما لن نرى غزوا عسكريا كلاسيكيا واسع النطاق من تركيا. فهي يمكن أن تعمل من خلال وحدات خاصة وممن يسمى بـ «وحدات المتطوعين» التي يمكن تغطيتها باستخدام ضربات مركّزة.
كما أن هناك احتمال أن تدخل تركيا بهذا الشكل أو ذاك إلى سوريا تحت ذريعة «يجب علينا مساعدة حلب». لذا أعتقد أن تركيا سوف تتصرف مثلما تتصرف روسيا في أوكرانيا من خلال ما يسمى بـ «الحرب الهجينة».
لقد فقد أردوغان، بإسقاطه القاذفة الروسية سو – 24 ، القدرة على التحدث مع روسيا حول أي شيء ـ وأما واشنطن، وعلى الرغم من حصولها على ارتياح معنوي من الصراع الروسي- التركي، لم تقدم على أي تنازلات لأنقرة بخصوص القضية الكردية. لا يهم الآن ماذا كانت أنقرة في البداية تريد تحقيقه بحلول نهاية النزاع السوري ـ انهيار سوريا أو فقط بانتصار الإسلاميين ذوي التوجه التركي – لأن الوضع في سوريا بعد قدوم الروس قد تغيير لصالح الأسد.
أدرك أردوغان أنه لا يجب عليه الآن التفكير في انهيار سوريا، وانما عليه التفكير بالحفاظ على تركيا – بمعنى أن القضية الكردية الرئيسية بالنسبة له أصبحت هي الوحيدة.
ولا يرى غريغوري كوساتش، المستعرب وأستاذ العلوم السياسية في الجامعة الروسية للعلوم الإنسانية، أفقا لتحسين العلاقات بين البلدين (روسيا وتركيا) في المستقبل القريب. ويعتبر الخبير أن المسؤولية عن هذا تقع على كلا الطرفين.
وقال المستعرب: «لقد اتخذت تركيا خطوات للتوصل إلى تفاهم مع روسيا تهدف إلى تخفيف التوتر في العلاقات مع موسكو، بيد أن موسكو رفضت السير في الاتجاه نفسه، فإذا ما اتصل أردوغان ببوتين، فان الأخير لا يجيب، وإذ بدأ أردوغان بمحاربة الأكراد، فان روسيا قد افتتحت مكتبا تمثيليا للأكراد السوريين في موسكو. الذنب الرئيسي على بلوغ الوضع هذا المستوى من السوء يقع على الطرفين. الموقف الروسي عنيد للغاية، وكافة التصريحات لا تبدو وكأنها أفعال غير موجهة نحو اتخاذ إجراءات رامية إلى مساعدة الأسد، والوضع بالنسبة لروسيا هو إلى حد ما يقود إلى طريق مسدودة، لأن الأسد ليس بدمية مطلقة في يد موسكو، انه يسلك طريقه الخاصة معلنا انه لا ينوي إجراء مفاوضات مع المعارضة ولا يمكن أن يكون هناك وقف إطلاق نار شامل للوطن وأنه لا يمكن لوقف إطلاق النار الاّ أن يكون محليا، ان هذا يتناقض كليا مع الموقف الروسي».
ومن الواضح أن المواجهة بين روسيا وتركيا في سوريا لا يمكن أن تؤدي إلى تعقيد حــــل الأزمة التي هي معقدة أصلا أكـــــثر مما يبدو عليه الأمر، ليســـت هناك حاجة لحدوث مواجهة عسكرية بين موسكو وأنقـــرة وهي غير مفيدة لكلا الطرفين الذين يحـــاولان الضـــغط أحدهما على الآخر، ويمـــكن من خلال هذا الضغط الحكم على حالة الأزمة الســورية ككل.
ولو لم ينشط الأتراك في سوريا لكان الخطاب الروسي ليس بتلك الحدة فيما يتعلق بالنوايا التركية في سوريا، ان سوريا هي السبب الرئيسي في توتر العلاقات الروســــــية التركــــية، وكلما تم تبادل الاتهامات بلهجة أعلى كلما كانت المواجهة بين تركيا وروسيا في سوريا أقوى.
ومع ذلك، فإن عدم توفر ظروف سياسية وداخلية فعلية للتدخل التركي في سوريا لا يعني، بالطبع، أنه لا يمكن لهذا التدخل أن يحدث من حيــــــث المبدأ، هناك دائما احتمال واحد في المئة لأي عملية جنونية – ولكن، وعلى العكس من الوضع في 24 تشرين الثاني/نوفمبر فان حتى أردوغان يعي الآن كل العواقب المحتملة لمثل هذه المجازفة.
القدس العربي