أخذ نزوح مئات الآلاف من السوريين شكل موجات تهجير قسري و سيول بشرية متدفقة ، و مفاجئة ، و متتالية ، تحول هذا التدفق إلى أكبر تهجير قسري منذ الحرب العالمية الثانية ، تبعًا لتطورات الحرب الظالمة والواسعة التي شنها النظام السوري و الداعمون له و التي تحولت إلى صراع مسلح تدخلت فيه دول عربية وإقليمية ودولية.
ففي الشهور الأولى للثورة السورية استخدم النظام السوري سياسة قصف المدن و المناطق والقرى وحصارها و خنقها وتجويعها تمهيدًا لإركاعها ، في حين كان المقتدرون ماديًّا من أوائل الخارجين من البلاد أو إلى الشمال السوري .
ففي عام 2013 كان هناك 36 مدينة وبلدة محاصرة كليًّا أو جزئيًّا تنتظر فرصة ليغادر سكانها مع افتتاح معابر مؤقتة للمدن المحاصرة ، و جميع أعمال التهجير القسري للأسف تمت بموافقة و صمت دولي.
تتالت الأحداث ذاتها فانطلقت موجة تهجير ثانية سميت بالكبرى بين عام 2014 إلى 2016 و منها مدينة حلب التي عرفت باسم معابر حلب الشرقية والغربية ، كما أكد مبعوث الأمم المتحدة ديمستورا أن حوالي 400 ألف مدني خرجوا من حلب إلى مناطق مختلفة منها الشمال السوري..
وموجة النزوح الثالثة قادتها روسيا التي لبست ثوب المصالحات ونقل حوالي 70 ألف مدني من الغوطة الشرقية والقلمون إلى الشمال السوري.
هناك حركة نزوح جماعية خرج فيها سكان الرقة شمالًا إلى منبج و إعزاز و جرابلس و عفرين ، قرابة نصف مليون شخص تركوا منازلهم في الرقة التي يبلغ عدد سكانها مليون نسمة .
و أكدت إحصائيات نشرها منسقو الاستجابة فإن عدد السكان في الشمال السوري بلغ مابين (4 إلى 5 ) ملايين نسمة من السكان الأصليين و المهجرين قسرًا من عدة محافظات سورية.
وأغلب الأشخاص الذين هجروا نقلوا معهم مشاريعهم وحرفهم كمصدر رزق لهم ،، وأقاموا مشاريعهم الخاصة ، و افتتح بعضهم المطاعم و المعامل الصغيرة و الحرف اليدوية وإحياء بعض الحِرف المنسية ، كما أفادنا أبو حمدي تاجر مواد غذائية من مهجري مدينة حلب .
و بدأت نسبة كبيرة من المدنيين في السعي خلف فرص عمل تساعدهم في تحسين حالتهم المعيشية ، التي ساهمت في انتعاش الاقتصاد في الشمال.
ولكن للأسف فإن الازدهار السوري في هذه المناطق هو ازدهار وهمي سرعان ما يتلاشى ويذوب في أول غارة جوية يشنها النظام السوري أو حليفه الروسي على هذه المناطق
فالازدهار الوهمي والذي سرعان ما تتغير أوضاعه والظروف المعيشية مع حالات القصف والتدمير و الخراب و التهجير القسري الذي تتعرض له هذه المشاريع ، و يتم الانتقال الى مكان جديد و إنشاء مشاريع جديدة في حال توفرت الظروف المادية و حالة الاستقرار النسبي
كما يحدث الآن لأهالي ريف إدلب الجنوبي وريف حماة الشمالي ،
محمود صوراني من أبناء معرة النعمان أفادنا بأن معرة النعمان منذ سنتين شهدت ازدهارًا
كبيرًا من خلال فتح المطاعم وإقامة المشاريع الكبيرة والصغيرة…
و بلغ عدد سكانها المحليين مع المهجرين مايقارب 200 إلى 300 ألف مدني ،
وبسبب عمليات القصف التي شهدتها المنطقة مؤخرًا اضطر الأهالي في المعرة إلى مغادرتها بعد أن دمرت الغارات الكثير منها و أدت لموجات نزوح جديدة ، وبالتالي ستبقى قضية النازحين محلًا للاستثمار السياسي والاقتصادي من قبل الجميع ، وسيبقى الجانب الإنساني مغيبًا وعرضة لمآسي إضافية وسيبقى هذا الازدهار وهميًّا سيزول بأي تطور عسكري جديد على المنطقة ، بغياب الحل السياسي .
و هنا تاتي أهمية تدخل الأمم المتحدة و المجتمع الدولي لوضع حد للمأساة السورية.