بشعور مفعم بالمرارة والامل ، يستقبل السوريون عام ثورتهم الخامس .
اما المرارة فمبعثها موقف العالم منهم ومما تعرضوا له من ظلم يفوق الخيال، وعدوان منظم طاولهم طيلة اربع سنوات عرفوا خلالها أصنافا شتى من الويلات ،وكل ما يمكن للبشر معاناته من إجرام. بالمقابل، يتمسك شعب سوريا بالأمل في وطن حر ، ستؤسسه مقاومتهم ويجلبه إصرارهم على مواصلة درب الحرية ، الذي بادروا إلى طرقه بعد خمسين عاما من الإذلال والتمييز ، وقرروا اجتيازه مهما غلت تضحياتهم وعزت أثمانه ، يدفعهم إلى ذلك الإيمان بأنهم قطعوا الجزء الأكبر منه، وانهم سيبلغون حريتهم ورؤوسهم مفعمة بكرامة الانتصار ، الذي راوغهم كثيرا ، لكنهم سيحرزونه مهما تزايدت الصعوبات وطال الزمن.
ليس الصراع في سوريا من النوع الذي يحتمل انصاف الحلول ، هذا ما تقوله وثيقة جنيف واحد ، التي تقر بحق السوريين في الانتقال إلى نظام الحريات الذي يطالبون به . بما ان هذا الهدف لن يتحقق بخطوة واحدة ، فإن مقاربته العملية ، التي ستترجم الاتفاق عليه، ستأخذ صورة خطى متعاقبة حرية الشعب ووحدته هما الخيط الناظم لها ، الذي سيحول دون وقوع أي تعارض او تناقض بين مراحلها المتعاقبة ، ما دام تعارضها او تناقضها يشوشان او يضيعان هدفها المعرف بدقة في وثيقة جنيف واحد: عنيت نقل سوريا إلى نظام بديل عن نظامها الحالي ، بقيادة هيئة حاكمة انتقالية مختلفة جذريا عن السلطة الأسدية الحاكمة بالقوة والإكراه ، كما تؤكد سنوات العنف الأربع، التي اهلكت الزرع والضرع، ودمرت البلاد والعباد .
يتمسك السوريون بهذا الهدف السامي ، وباتفاقهم مع العالم عليه، رغم موقف النظام المعادي له في جنيف 2 .
وقد توقعوا ان تتم مكافأتهم على موقفهم السلمي ، ورغبتهم في إطفاء بؤرة النار المستعرة عندهم ، قبل ان يتطاير شررها الى بلدان مختلفة من المنطقة أو يهدد بإشعال النار فيها . لكن ما حدث كان العكس ، فقد بدا خلال العام التالي لجنيف أنهم يتعرضون للعقاب ، بينما يثاب النظام ، رغم ما مارسه من تصعيد غير مسبوق للحرب ورفض قاطع للحلول السياسية الدولية والوطنية ، فلا غرابة أن رأت بعض الاطراف في الموقف الدولي إضعافا مقصودا لمواقف الثورة ، وحضا للسوريين على قبول القراءة الشديدة التطرف ،التي قدمتها جهة اصولية لطالما اولغت في دمائهم ،وقتلتهم بالآلاف ،واستكمل نشاطها بصور مباشرة وغير مباشرة فعل آلة القتل الاسدية ضدهم .
هذا الوضع المفارق والمركب، أثار قدرا كبيرا من البلبلة والرفض لدى قطاعات شعبية واسعة داخل وخارج سوريا.
وزاد الأمر تعقيدا ما بدا وكأنه تدن أصاب مكانة قضيتها في سلم الاهتمامات الأميركية خاصة ومؤسسات الشرعية الدولية عامة، وتقدم المسألة العراقية إلى الواجهة بالتنسيق والتعاون مع طهران : الطرف الذي دأب كبار مسؤوليه على تأكيد دوره في انقاذ الأسد ونظامه .
واليوم ، يبدو الوضع السوري امام منعطف يتظاهر عسكريا في هجوم ثلاثي الشعب يشنه النظام في جنوب وشمال بلادنا كما في منطقتها الساحلية ، بينما تضغط أدوار خارجية ،وخاصة منها الدور الروسي ، على وحدة المعارضة سياسيا ، وتستهدف موقفها الموحد نسبيا من وثيقة جنيف واحد ، ويتعرض الائتلاف لضغوط داخلية وخارجية تستهدف إضعافه .
لم يحقق هجوم الجنوب أيا من أهدافه الكبرى. وادى هجوم الشمال الى تقدم قوات الجيش الحر بدل تراجعها . بينما يدور قتال ضار في منطقة الساحل الشديدة الوعورة.
هذا الصمود هو ، في ظل موقف العالم من الحدث السوري، حائط الصد الذي سيرد الاخطار عن شعب سوريا وثورته ، وسيجبر الآخرين على قبول استراتيجيته، القائمة على نيله ما قرره جنيف له من حل عادل يعيد اليه حريته، أو منع أي حل بقوته وتصميمه على الاستمرار، وتعطيل قدرة أي طرف على تمرير ما لا يتفق مع مصالح السوريين او يحقق مطالبهم ، وعلى رأسها رحيل الأسد وتغيير نظامه .
ميشيل كيلو – البيان