منذ أن أعلن الأمين العام للأمم المتحدة “بان كي مون” تعيين “ستيفان دي ميستورا” مبعوثاً جديداً للأمم المتحدة إلى سورية خلفاً للمبعوث السابق الأخضر الإبراهيمي، تحت عنوان أنه سيقوم بوساطة جديدة من أجل الوصول لحل سلمي لما يسمونها الأزمة في سورية، عديد من التساؤلات طرحها المتابعون للشؤون السورية حول السيد دي ميستورا، ووساطته المحتملة، أولها كان عن شخصية السيد دي مستورا وأخرى حول علاقاته مع الإيرانيين وتوجهاته وما الجديد الذي ستتمخض عنه تحركات الدبلوماسي المخضرم؟
مما لاشك فيه أن السيد دي مستورا رجل سياسة مخضرم وشغل عديد من المناصب السياسية في موطنه إيطاليا. ستيفان دي ميستورا هو دبلوماسي سويدي وحاصل على الجنسية الإيطالية، وهو عضو سابق في الحكومة الإيطالية، وبعد مسيرة 40 سنة في مختلف وكالات الأمم المتحدة، تم تعيينه وكيل وزارة الخارجية للشؤون الخارجية في الحكومة الإيطالية برئاسة ماريو مونتي.
كما تناقل ناشطون صور للمبعوث الأممي وهو يزور ويقبل أبواب ما يسمونه العتبات المقدسة.
أثارت تصريحات المبعوث الأممي لسورية السيد “دي مستورا” حفيظة عديد من السوريين وموجة من المواقف الصاخبة على هذه التصريحات التي اعتبرها البعض تأييد صريح لبشار الأسد، ومنهم أبدى مبرراً لها، وكانت مادة دسمة للعديد من المحطات الفضائية العربية والأجنبية، استدعت لها المحللين والخبراء السياسيين والاستراتيجيين لتفكيك رموزها وطلاسمها، وكان لي الحظ كي أدلو بدلوي في تلك الفضائيات.
منذ أن تم تعيين السيد دي مستورا، مبعوثاً للتوسط في حل المحرقة السورية، لم يقدم أي مبادرة مكتوبة ولا أحد يعلم ما هي تفاصيل هذه المبادرة، رغم أن الائتلاف السوري طلب منه مبادرة مكتوبة حتى يتم مناقشتها!
كل مافعله السيد دي مستورا، هو أن أعلن خطوات تحت عناوين إنسانية مزخرفة، تقتضي تجميد القتال في حلب، الأمر الذي رفضته جميع فصائل المعارضة المسلحة ومعهم الائتلاف السوري المعارض.
في حقيقة الأمر إن هذه الخطوة التي طرحها دي مستورا كانت بمثابة تسليم حلب لنظام الأسد بعد أن فشل في السيطرة عليها عسكرياً، وهي التفاف على المطالب التركية التي ما زالت تصر على إنشاء منطقة آمنة شمال سورية، وتعلق مشاركتها مع جهود التحالف الدولي في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية حتى يتم تلبية هذا المطلب.
في هذه المرحلة من الاجتماعات التي قام بها دي مستورا مع الفصائل المسلحة المتواجدة في تركيا مارس دي مستورا الخبث السياسي، حيث حاول أن يجتمع مع قادة الفصائل المسلحة كلاً على حدة، والخبث هنا كان في رغبته في شق الصفوف، وهو أسلوب اتبعته إسرائيل في مفاوضات السلام في تسعينيات القرن الماضي.
اللافت للنظر كان رفض بشار الأسد طلب مقابلة السيد دي مستورا في الشهر الماضي رغم طلبه ذلك، وكان السبب – حسب مراقبين – هو فشل دي مستورا بإقناع الفصائل المسلحة بقبول مبادرته حول تجميد القتال في حلب، وهو يؤكد ما ذهبنا إليه بأن أطروحة تجميد القتال في حلب كانت تهدف لتسليمها لنظام الأسد دون قتال وهو ما عجز عنه طوال سنوات خلت.
وبعد التطورات الدراماتيكية التي واكبت حرق الطيار الكساسبة والحديث المتسارع عن هجوم بري على تنظيم الدولة الإسلامية قرأ بشار الأسد وحلفاؤه المشهد بشكل جيد، ووجد نفسه محاصر في دمشق – خاصة مع توالي سقوط الصواريخ على دمشق من قبل الفصائل المسلحة في الغوطة – واقتراب ثوار درعا من فك الحصار عن الغوطة الغربية وإطباق الحصار على الأسد في دمشق، ما استدعى حليفه السيد دي مستورا كي يلتقيه وطرح فكرة تجميد القتال في درعا إضافة إلى حلب.
وهنا يطرح المرء سؤال: لماذا لم يطرح دي مستورا تجميد القتال في الغوطة الشرقية التي كانت تتساقط عليها مئات الصواريخ والبراميل المتفجرة على بعد أمتار من المكان الذي كان دي مستورا يحتسي قهوته مع بشار الأسد؟ الجواب سهل بأن الغوطة محاصرة وهي في مرمى نيران الأسد والخطر المحدق الآن قادم من درعا، وفي حال حصول أي هجوم بري من قبل التحالف عبر الأراضي الأردنية سيصبح بشار الأسد محاصراً في دمشق.
بالعودة إلى قضيتنا الأولى تصريحات دي مستورا “بشار الأسد جزء من الحل” وهو ما زال رئيساً للجمهورية العربية السورية.
قبل أن أخوض في قراءة تصريحات السيد “دي مستورا” الأخيرة حول أن “بشار الأسد جزء من الحل” أذكركم في شطر بيتٍ من الشعر للمتنبي يقول: “فيكَ الخِصامُ وَأنتَ الخصْمُ وَالحكَمُ”.
أما عن مقام بيت الشعر ودلالاته سيأتيكم في خضم الحديث عن تصريحات السيد دي مستورا.
“هل بشار الأسد جزء من الحل”؟!
نعم بشار الأسد جزء من الحل. وذلك في حال قرر بشار الأسد أن يتخلى عن نرجسيته ويعود للواقع على الأرض التي دمرتها ومزقت أوصالها طائراته الحربية وجنازير دباباته البربرية. في حال قرر ذلك سيكون جزء من الحل. ببساطة أن يقرر الرحيل ويتنازل عن السلطة. قد يتنازل عن السلطة لرئيس مجلس الشعب أو نائبه أو يشكل مجلس حكم ويتنازل عن السلطة له. أياً يكون المهم أن يتنازل عن الحكم بذا يكون جزء من الحل.
بشار الأسد كما قال السيد دي مستورا جزء من الحل. وهو محق في ذلك. كون من يسيطر على الأرض الآن ويقود المعارك هو قاسم سليماني وقوات الحرس الثوري الإيراني وذراعها في المنطقة “حزب الله الإرهابي اللبناني”. هذا يعني بالضرورة أن إيران التي استثمرت في نظام الأسد مليارات الدولارات وتخوض الحرب الآن هي صاحبة الكلمة الفصل في مصير بشار الأسد في حال قرر هو أن يتنحى تلقائياً عن الحكم. لكن بعد موافقة إيران. إذاً هو جزء من الحل!
بشار الأسد لن يكون جزء من الحل ولن يتم استشارته في الحل. وذلك في حال قررت الدول العظمى أو التحالف الدولي القضاء على حكم بشار الأسد. في أبسط الأمور تستطيع هذه الدول تشكيل هيئة حكم من المعارضة وبعض المحسوبين على النظام من المنشقين عنه والمحسوبين عليه طائفياً وأيديولوجياً. بعدها تستطيع هذه الدول خلع بشار الأسد إما عن طريق استصدار قرار من مجلس الأمن الدولي تحت الفصل السابع من ميثاق مجلس الأمن، الفصل اثنين وأربعين الذي يجيز استخدام القوة، أو عن طريق مبدأ حماية المدنيين الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة، أو استهدافه بشكل مباشر. حتى يمكنهم التدخل تحت عناوين إنسانية إرسال قوات عسكرية كما فعلت في الصومال تحت القرار رقم 794 في 3 من آب عام 1992 وقد نص على تكوين قوة حفظ سلام بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وسميت يونيتاف. وتهدف لإقامة السلام والإغاثة الإنسانية. ولديها في ذلك ثلاث قرارات من مجلس الأمن.
أما بالنسبة لقول السيد “دي مستورا” بأن بشار الأسد مازال رئيس للجمهورية العربية السورية. حقيقةً أن هذه الجملة هي أخطر ما برز في تصريحه المثير للجدل. وهو هدف لشرعنة نظام الأسد واعتباره الرئيس الشرعي للبلاد. ومن يقاتله هي فصائل وميليشيات مسلحة. وهو ما دأب نظام الأسد بالحديث عنه. أي مراقب يلاحظ إصرار المتحدثين والمنظرين لنظام الأسد في كل الندوات الإعلامية أو المحافل الدولية التأكيد على مصطلح الدولة السورية. ووصف المعارضة بالميليشيات المسلحة والمتطرفة.
ثم وبكل سذاجة الكون وبحركة هروب تحت وابل من الدخان كساتر للانسحاب التكتيكي يقول دي ميستورا للائتلاف: تصـريحاتي عن الأســد لتوريطــه بحل سياسي؟!!
يمكننا القول بما لا يدع مجال لشك بأن مبادرة دي مستورا هدفها إعادة تأهيل نظام الأسد. وتسليمه المناطق التي تحت سيطرة المعارضة تحت عناوين إنسانية مزخرفة، وأن مبادرة دي مستورا في مبتدئها وخبرها من ألفها إلى يائها تصب في مصلحة الأسد قولاً وفعلاً وممارسة طبخت في المطابخ الإيرانية بأيدي روسيا.
ميسرة بكور – جريدة الأيام