مدينة جرابلس ذات أهمية جغرافية كبيرة، إذ تراها الوحدات الكردية مهمة للتمدد غربا باتجاه عفرين، وتنظيم الدولة يعتبرها خاصرة مهمة لمعاقله بريف حلب الشرقي ومعاركه بريف حلب الشمالي، أما المعارضة المسلحة فتراها ضرورية لإقامة منطقة آمنة للاجئين والمهجرين.
يزداد الصراع على مدينة جرابلس الواقعة تحت سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية، إذ تسعى وحدات حماية الشعب الكردية إلى إحكام القبضة عليها لاستكمال مشروع يربط عين العرب (كوباني) بعفرين، في حين تسعى المعارضة السورية المسلحة للسيطرة عليها من أجل إقامة منطقة آمنة تمتد منها إلى إعزاز بعمق 65 كيلومترا برعاية تركية غربية.
وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن تركيا، بالتعاون مع حلفائها، ستنشئ قريبا منطقة إنسانية آمنة بين جرابلس بريف حلب الشرقي شمال سوريا، وشاطئ البحر المتوسط، لمنع تكرار مأساة إنسانية جديدة، ولتوفير فرصة للمهاجرين الذين يُريدون العيش في وطنهم.
ولكن الرد يأتي من الرئيس المشترك لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي صالح مسلم بأن منطقة جرابلس تتبع لجغرافية “غرب كردستان” ولا يحق لتركيا التدخل، خاصة أن نسبة الكرد فيها حوالي 50%، وهم يشكلون أغلبية مع وجود تركمان وعرب إلى جانبهم.
وتتزامن تصريحات مسلم مع شن الطائرات الروسية غارات جوية على مدينتي جرابلس وإعزاز الحدوديتين مع تركيا، وإرسال أميركا مستشارين عسكريين لمدينة عين العرب من أجل تدريب الوحدات الكردية وتجهيزها لمعارك الرقة وجرابلس، وفق ما يتداوله ناشطون أكراد.
مشروع انفصالي
ويرى المحلل السياسي عمر كوش أن ادعاء مسلم بأن جرابلس تتبع لما يسمى “غرب كردستان” تلفيق لا يستند إلى أي معطى تاريخي أو جغرافي أو ديموغرافي، لأن هذه المدينة سورية، وتاريخيا كانت عاصمة الحيثيين، وقبلها كانت تتبع مملكة كوش.
وأوضح الكاتب السوري، في حديث للجزيرة نت، أن سكان المدينة كانوا ولا يزالون بغالبيتهم عربا، وقدم إليها التركمان والأرمن والشركس، وقد احتضنهم سكانها وعاشوا معا منذ عقود طويلة.
وأضاف كوش أن الاتحاد الديمقراطي الكردي “حزب قومي متعصب ويتهمه ناشطون سوريون، عربا وأكرادا، بالارتباط مع النظام السوري”.
وقال إن هذا الحزب “لم يقف مع ثورة السوريين، واعتقل وشرد الناشطين الأكراد من مناطقهم، وهو يسعى لإقامة كانتون تابع له في جرابلس وصولا إلى عفرين، لذلك استغل الأزمة السورية، وقدم نفسه للولايات المتحدة، ثم تحالف مؤخرا مع المحتل الروسي، سعيا منه لتحقيق مشروعه الانفصالي”.
وتعتبر جرابلس ذات أهمية جغرافية كبيرة للوحدات الكردية للتمدد غربا باتجاه عفرين، وتنظيم الدولة الإسلامية الذي يعتبرها خاصرة مهمة لمعاقله في ريف حلب الشرقي ومعاركه بريف حلب الشمالي ضد المعارضة المسلحة.
وأشار الصحفي عبو حسو إلى أن جرابلس ذات أهمية للوحدات الكردية، لأنها بوابة عبورها للريف الشمالي لحلب، ومنها لعفرين وحتى البحر المتوسط، من أجل إنشاء الممر الكردي من كردستان العراق إلى البحر المتوسط، وتأمين ممر لخطوط ضخ نفط العراق إلى البحر مباشرة.
وأضاف، في حديث للجزيرة نت، أن جرابلس مهمة لأنقرة لقربها من الحدود التركية، فهي صمام أمان أو قنبلة موقوتة وفق من يسيطر عليها، ومهمة أيضا للمعارضة المعتدلة لتشكيل المنطقة الآمنة ووجود حيز جغرافي مستقر وآمن تمهيداً لتحرير باقي سوريا، أما بالنسبة للتنظيم فهي نقطة ارتكاز خلفية وضمان سيطرة على الحدود السورية التركية.
منطقة آمنة
بدوره، أشار الصحفي فراس محمد إلى أن حزب الاتحاد الديمقراطي يحاول عبر تزييف الحقائق السيطرة على المنطقة بهدف إيصال كانتون عين العرب بكانتون عفرين، وفي نفس الوقت تهديد الأمن القومي التركي، وضرب مشروع إقامة دولة سورية ذات هوية سورية جامعة.
ويرى محمد أنه لا مانع لدى الاتحاد الديمقراطي من التعاون مع أي جهة لتحقيق أهدافه، واستغلال الموقف “المتشنج” مع تركيا ليصطف مع الجانب الروسي والنظام السوري، في سبيل إعاقة إقامة المنطقة الآمنة التي تعتبر مطلبا شعبيا لكل مكونات الشعب السوري.
من جهته، قال قيادي بالمعارضة السورية المسلحة للجزيرة نت إن إقامة منطقة آمنة مطلب وحاجة ملحة لكل السوريين، وقال إن تركيا هي الدولة الوحيدة الجادة في تحقيق هذا المطلب، والقضاء على تنظيم الدولة في المناطق الممتدة من جرابلس إلى إعزاز بريف حلب.
وأشار ذلك القيادي المعارض، في حديث للجزيرة نت، إلى أن فصائل الجيش الحر تلقت تدريبات في تركيا، وهي على أتم الجهوزية لفرض المنطقة الآمنة بمجرد التوافق الدولي.
وذكر أيضا أن دول أصدقاء الشعب السوري ليسوا جديين في محاربة تنظيم الدولة ولا في إقامة المنطقة الآمنة، وإلا لما عرقلوا إقامتها رغم علمهم بحاجة المدنيين إليها.
المصدر: الجزيرة