ما تزال دولة قطر تواجه ضغوطاً دبلوماسية واقتصادية مكثفة من جيرانها وأشقائها العرب تتقدمهم المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة, وبلدان أخرى ليست أعضاء في مجلس التعاون الخليجي, مثل مصر, ويبدو أن السبب الرسمي لهذا الصراع هو موقف أمير قطر الأخير, الذي ترافق مع القمم التي عقدها ترامب في السعودية أثناء زيارته الأخيرة, حيث اعتبرت المملكة العربية السعودية أن قطر تنتقد التعاون العسكري الأمريكي – السعودي المتنامي, وتطور التوتر فيما بعد أكثر بين البلدين ليدخل ملف اتهام السعودية لقطر بالتآمر مع إيران ضد أمن الخليج العربي!
ولابد من الإشارة إلى أن الأزمة الحالية هي ذات جذور وليست وليدة اللحظة, وما فتئت أن تختمر منذ فترة, ففي 2014 أدى انهيار دبلوماسي آخر إلى سحب السفراء من الدوحة, وخلال ذلك الوقت تم توجيه تهمة دعم “جماعة الإخوان المسلمين” لدولة قطر وتوفير ملاذ لقاداتها بعد الإنقلاب العسكري الذي قام به عبد الفتاح السيسي بدعم من السعودية والإمارات ضد الرئيس الشرعي المنتخب “محمد مرسي” في يوليو 2013 وكان معظم أعضاء مجلس التعاون الخليجي قد أعلنوا رسمياً أن جماعة الإخوان المسلمين هي “منظمة إرهابية” على حد توصفيهم, وعقب النزاع الذي لم يتطور كما هو اليوم, وبعد عودة السفراء إلى الدوحة, وعدت قطر بأن الدوحة لن تسمح لجماعة الإخوان بالعمل من أراضيها, ويبدو أن هذا الشرط, هو المفتاح الذي كانت تريده البلدان الأخرى لاستهداف قطر وإثارة الفتنة معها مرة أخرى, حيث اتهمت فجأة بعد مغادرة ترامب المنطقة بأيام معدودة أنها أخلفت هذا الوعد, والحجة هي أن قادة الجماعة المحظورة في السعودية والإمارات وحركة المقاومة الإسلامية “حماس”, وحتى أفراد أسرة الرئيس العراقي السابق, صدام حسين, يتجولون بحرية في فنادق قطر وفي وسط الدوحة.
الغريب بالأمر أكثر, أن تعتبر هذه الدول التي قاطعت قطر, أنه يجب وضع حد للدور الإقليمي الذي تلعبه قطر من خلال مشاركتها مع الجماعات المناهضة للحكومات في كل من مصر وسورية وليبيا واليمن من خلال دعمها, في هفوة توضح موقف هذه الدول من الثورات العربية, ومن النظام السوري تحديداً الذي وصف “بالحكومة”, ومن ناحية أخرى يبدو أن تحالف الدوحة مع أنقرة, ووضع الحكومة القطرية يدها بيد حزب العدالة والتنمية التركي الذي يتزعمه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان, وجماعات متل حماس في غزة, هو موقف يجب أن تعاقب عليه الدوحة أيضا, ومن قبل الأشقاء للأسف..
وكما هي الحال دائماً في المنطقة، لعب النفط والغاز دوراً في الصراع الدائر بين أطراف النزاع. وخلال التسعينات، اتهمت قطر جيرانها ودولاً أخرى بمحاولة منع تصدير الغاز الطبيعي المسال إلى دول مجلس التعاون الخليجي. ويمكن أن تعود المسألة نفسها مرة أخرى إلى السطح، لأن مستقبل الوقود في كلا البلدين يتعرض حالياً للضغوط. وفي الوقت الذي تعمل السعودية حالياً على قيادة في منظمة أوبك، مع استمرار مناقشاتها مع روسيا، بل حتى مع دول مثل العراق، فإن مركز السلطة السياسية داخل ما يسمى أوبك للغاز، قد يكون الخيار الحقيقي. وقد يكون وضع قطر في قطاع الغاز العالمي تحت الضغط.
نتيجة مجموعة من التهم والأسباب المفاجئة, أصبحت الدوحة تمثل مشكلة لمعظم دول مجلس التعاون الخليجي ومصر, وبدأت هذه الدول حملة إعلامية شرسة ضد قطر تتحدث عن تدخل قطر في السياسة الداخلية في معظم البلدان العربية الاخرى, بينما تحافظ على علاقات طيبة مع إيران, اون كلاً من المملكة العربية السعودية ومصر كانتا الهدفين الرئيسين لهجمات قناة الجزيرة الفضائية, المملوكة للدولة القطرية,وعلاوة على ذلك، هناك نزاع آخر في الأفق. حيث إن قطر لا تحتفظ فقط بالقاعدة العسكرية الأميركية الرئيسة في منطقة الخليج، بل سمحت أيضاً لتركيا بإنشاء قاعدة عسكرية هناك. وقد وضع الرئيس التركي ثقله الكامل خلف الدوحة، مشيراً إلى أن القوات العسكرية التركية في خدمة الخليج، وتؤيد وسائل الإعلام التركية، التي تسيطر عليها الدولة، الاتجاه الذي تتبناه أنقرة.
المركز الصحفي السوري — حازم الحلبي.