قوات مشتركة من نظام الأسد وقوات الاحتلال الروسي ارتكبت مجزرة جديدة في مدينة إدلب وريفها، يوم الأحد الماضي، حيث قضى أكثر من أربعين شخصا، بينهم أسرٌ بأكملها، جراء غارات شنها الطيران الحربي الروسي – الأسدي على مدينتي إدلب ومعرّة النعمان، استهدفت إحداها سوقـا شعبية مكتظة بالمتسوقين في شهر رمضان المبارك. وفي هذا السياق، أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان أن ضربات جوية نفذتها طائرات حربية روسية أسفرت عن مقتل أكثر من 34 شخصًا في مدينة إدلب، مضيفًا أن بين المناطق التي أصيبت سوقًا شعبية، وأن 5 أطفال على الأقل سقطوا بين القتلى.
من المفارقات العجيبة – وما أكثرها في سورية – أن الغارات على إدلب جاءت بعد ساعات من إعلان تمديد “هدنة القرى الأربع” بين فصيل مقاتل معارض وبين الإيرانيين، شملت مناطق في ريف إدلب والزبداني، ما طرح تساؤلات عن حقيقة التنسيق أو الاختلاف بين موسكو وطهران!.
بعد البراميل المتفجرة والقنابل العنقودية، والألغام البحرية، استخدم النظام في حلب لأول مرة منذ بدء الثورة السورية “الخراطيم المتفجرة”، وهو سلاح جديد تفتقت عنه عقلية الروس، فأنتجت سلاحا أكثر فتكًا بالمدنيين، وأقل كلفة، وأوسع دمارًا، ليضيفوا إلى سجلاتهم الحافلة براءة اختراع لآلة قتل جديدة، وتحوي تلك الخراطيم شديدة الاتفجار والتي يبلغ طول كل واحد منها حوالي 100 متر، مواد متفجرة كالسيفور وTNT، إضافة إلى صواعق وخرداوات تتحول إلى شظايا قاتلة عند الانفجار.
وقد ورد في تقرير المرصد السوري لحقوق الإنسان “لا يزال القصف المكثف والهستيري متواصلًا على أحياء مدينة حلب لليوم الثاني والخمسين، ما تسبب بدمار كبير في ممتلكات مواطنين ومرافق عامة ومشافي، وإصابة أكثر من 2800 شخص بجروح، فيما ارتفع إلى 577 مدنيًا بينهم 122 طفلًا دون سن الـ18، و86 مواطنة عدد الشهداء الذين تمكن المرصد من توثيقهم “.
وأوضح المرصد أن بين القتلى “264 شهيدًا بينهم 38 طفلًا و26 مواطنة استشهدوا جراء مئات الضربات الجوية التي نفذتها الطائرات الحربية على جميع مناطق وأحياء حلب الحرة و”244 مدنيًا بينهم 55 طفلاً جراء سقوط مئات القذائف محلية الصنع والقذائف الصاروخية وأسطوانات الغاز المتفجرة على أماكن سيطرة قوات النظام و13 مواطنًا بينهم 6 أطفال جراء قصف للفصائل الإسلامية والمقاتلة على مناطق في حي الشيخ مقصود ذي الغالبية الكردية والذي تسيطر عليه وحدات حماية الشعب الكردي بمدينة حلب.
من ناحية أخرى هناك واقع مرير يعيشه النازحون في المخيمات داخل سورية، خاصة في شمالها، في ظل تدفق عشرات الآلاف منهم في الأشهر الأخيرة، وتكدسهم عند المعابر الحدودية مع تركيا ومخيماتها.
حملتا نزوح رئيسيتان شهدهما ريف حلب الشمالي منذ مطلع العام الحالي، تزامنت الأولى مع هجوم قوات “سوريا الديمقراطية”، مدعومةً بغطاء جوي روسي، على بلدات وقرى ريف حلب الشمالي، سيطرت خلالها على عدة قرى منها منغ، عين الدقنة، كفرنايا، ثم تل رفعت في 15 شباط/ فبراير الماضي، ما تسبب بحركة نزوح كبيرة لأهالي هذه البلدات.
ورافق هجوم “سوريا الديمقراطية” هجومٌ مماثلٌ لقوات الأسد على الريف الشمالي، مطلع شباط الماضي، دعمه قصف روسي مكثف جدًا، أسفر عن نزوح مئات العائلات من بلدات عندان، وحريتان، وبيانون، ومعرستة الخان، وحردتنين، وحيان، كما تعرض الريف الشمالي لهجوم من قبل تنظيم داعش، في نيسان/ أبريل الماضي، أدى إلى سيطرة التنظيم على قرى حور كلس وبريغدة ومخيمات إكدة والحرمين وغيرها، في 14 نيسان الماضي، وقام التنظيم بإشعال الحرائق في المخيمات، قبل أن تستعيد فصائل الجيش الحر السيطرة عليها مجددًا.
هذا الهجوم تسبب بنزوح عشرات الآلاف من سكان المخيمات والقرى باتجاه المخيمات المجاورة لباب السلامة والأراضي الزراعية.
الحكومة التركية أغلقت شريطها الحدودي أمام الراغبين بدخول أراضيها، مما دعا منظمة العفو الدولية ومؤسسات حقوقية للمطالبة بفتح الحدود أمام الهاربين من المعارك.
“ما في بيت” حملة أطلقها المكتب الإعلامي لقوى الثورة السورية، بهدف تسليط الضوء على النازحين في الداخل السوري، وجذب الانتباه العربي والدولي لمعاناة السوريين، الذين تركوا منازلهم بسبب القصف المتواصل، وانتقلوا للعيش في مخيمات تفتقر لأبسط مقومات الحياة.
ووفقًا لأسامة حدبة، عضو المكتب الإعلامي لقوى الثورة السورية، فإن اختيار اسم “ما في بيت”، جاء “تجسيدًا لأوضاع السوريين، الذين أصبحوا بلا وطن ولا مأوى، بسبب الأسد وحلفائه، وداعش، وروسيا وإيران”، لافتًا إلى تفاعل العديد من القنوات الفضائية والشبكات الإعلامية الثورية مع الحملة.
وأشار حدبة إلى أن عدد النازحين في جميع أنحاء الداخل السوري بلغ ستة ملايين و600 ألف نازح، فيما بلغ عدد نازحي ريف حلب الشمالي في الأشهر الأخيرة 148.216 ألف نازح، بحسب إحصائيات الحملة.
ويصف نزار نجار، نائب مدير مخيم باب السلامة، حال المخيمات الرئيسية في الريف الشمالي، بالمتردي ولا سيما أوضاع الكهرباء والمياه والصرف الصحي، مشيرًا إلى أن بعضها يتألف من “كارفانات” كمخيم سجو والريان، في حين ما يزال البعض الآخر يقتصر على الخيام فقط.
ويضيف “أسوأ المخيمات الرئيسية هو باب السلامة لقِدمه، فعمره ثلاث سنوات، وخيامه أتلفت بفعل تبدلات الطقس، ولم تعد تقي من الحر والبرد، ما اضطر الناس لجلب العوازل والحرامات وتعليقها لتأمين الوقاية”.
يضم الشريط الشمالي الحدودي مع تركيا تسعة مخيمات رئيسية، منها مخيم باب السلامة، وسجو، والريان، والشهداء، وإكدة، والمقاومة، وغيرها، ويبلغ عدد النازحين فيها قرابة 80 ألف نازح، وفقًا لنزار نجار، نائب مدير مخيم باب السلامة.
أما المخيمات العشوائية، فهي تمتد على أراضٍ زراعية من جبل برصايا المطل على عفرين والجانب التركي، وباتجاه مخيم باب السلامة، بعمق حوالي كيلومترين بين المخيم واعزاز، وصولًا إلى مخيم إكدة.
تمكنت فصائل “الجيش الحرط من فك الحصار عن مدينة مارع في الثامن من حزيران/ يونيو الجاري، بعد استعادة السيطرة على عدة قرى في الريف الشمالي، إثر انسحاب تنظيم داعش منها.
التطور الأخير وإن بعث الأمل بعودة النازحين من مدينة مارع وما حولها إلى بيوتهم، لكن لا أحد يتوقع عودة آنية للنازحين، بسبب المفخخات والألغام التي تركها هذا التنظيم الإرهابي.
ومع تصاعد الهجمات الجوية المتكررة على مدينة إدلب، بدأ قاطنوها بالنزوح إلى القرى المجاورة، بعدما أضحت المدينة حقل تجارب للطائرات الروسية، كباقي أجزاء سورية.
في نفس اليوم الذي اتجهت فيه الأنظار نحو مجزرة إدلب، ارتكبت المقاتلات الحربية الروسية، فجر الأحد، مجزرة في قرية قباسين بريف حلب الشرقي، راح ضحيتها ثمانية مدنيين، جراء قصف الطيران الحربي بالصواريخ الفراغية سوقًا شعبيًا وسط القرية.
كما قصف الطيران الروسي بالقنابل العنقودية الأحياء السكنية في مدينة الباب بريف حلب الشرقي، مما تسبب بمقتل وجرح عدد من المدنيين، بينهم أطفال.
في الوقت الذي دخلت فيه عملية التفاوض بين النظام والمعارضة برعاية أمريكية وروسية نفقا مظلمًا، تحاول قوات العدوان الثلاثي: الروسي الأسدي الإيراني، السيطرة على حلب بأكملها، بهدف القضاء على أي أمل في انجاح الجهود الدبلوماسية الرامية لوقف إطلاق النار.
وبينما بلغ النزاع السوري عامه السادس، لا يزال الوضع الإنساني في سورية يعتبر وفق اللجنة الدولية للصليب الاحمر، الأزمة الإنسانية الأشد خطرًا وتعقيدًا في العالم.
ترك برس