يستند أحمد إلى باب منزله الأسود الصدئ، مرتديا حذاء رجاليا كبيرا يتعثر بخطواته بسبب الفرق الكبير بين المقاسين، أحمد (5سنوات) يجلس كل يوم على باب بيته منتظرا والده الذي لم يعرفه ولم ترتسم صورته في مخيلته الطفولية، اعتقل والد أحمد عند الموالين للنظام في إحدى القرى الشيعية عند دخوله بالخطأ اليها قبل أن تدب قدما أحمد على الأرض.
يقضي هذا الصغير أيامه يمشي على أرصفة شارعه يجمع الأحجار ثم يعيد رميها ويقول أثناء ذلك “أنا بدي اقتل يلي أخدو بابا” ويعاود الكرة لعل حجره الصغيرة تعيد ما سلب منه أو يفرغ ما يختلج في صدره من شوق وألم.
يعود أحمد الى منزله مسرعا ليطرح على أمه سؤاله للمرة الأف “أمي بابا لساتو عايش؟”.. السؤال الذي عجزت عن الإجابة عنه للمرة الأف.
أحمد هو واحد من آلاف الأطفال الذين حرموا من آبائهم جراء اختطافهم من قبل الميلشيات التابعة للنظام، على حواجز غير نظامية يقودها أفراد تابعين لميليشيات طائفية خارجية ولا يعلم إن كان والده مازال حيا أم لا؟..
فقد تجاوز عدد المعتقلين مئتين وخمسة عشر ألفا في الأعوام الفائتة في سجون النظام عداك عن الآلاف من المختطفين، حسب التقرير السنوي لمنظمة العفو الدولية عن حالات الاختفاء القسري” إن القوات الحكومية احتجزت قسرا آلافا من المعتقلين دون محاكمة.. وفي كثير من الأحيان في ظروف ترقى الى مستوى الاختفاء القسري، ويستمر اختفاء عشرات الآلاف من الأشخاص قسرا بعضهم منذ اندلاع النزاع في 2011″.
تقول أم أحمد “حاولت معرفة ما إذا كان زوجي حيا أم ميتا؟ ولم أستطع.. ورفض جميع من تم فك أسره بصفقات تبادل الأسرى بين النظام والثوار أن يشهدوا لدى المحكمة الشرعية أنه توفي” إلا أن غيابه لمدة تجاوزت ثلاث سنوات وثمانية أشهر جعلها تفقد الأمل بعودته خصوصا بعد صفقات عدة لتبادل الأسرى وعدم خروجه مع الأسرى السابقين.
فشلت أم أحمد مجددا في الإجابة عن سؤال ابنها الذي صاغه بأسلوب آخر وما زال الثاني معلقا كسابقه لا تدري إجابته.. حين يسألها الصغير:” أمي هل أنا يتيم” وفي كل مرة تعيد الإجابة نفسها: “لا أعلم يا بني الله وحده يعلم ” في تلك اللحظة تتحرك بخطوات متثاقلة باتجاه ابنها وتحضنه محاولة إخفاء عينيها التي احمرت حزنا على طفلها الذي يعيش حيرة اليتم، فقد تكون أكثر إيلاما.. يمسك الصغير يدها يقبلها بتحبب بالغ: ” أمي عم يوجعك شي” ظناً منه أنه هو سبب آلامها وأنه أمرضها بسؤاله المحير.. وإن كان حتى هذه اللحظة لم يأخذ جوابا شافيا له.
تظل الأسئلة تدور وتدور في رأس أحمد وتظل الإجابة عنها رهينة وضع لا يعرف متى نهايته لتستمر معاناة الطفل في بحثه عن إجابات منطقية لأسئلة عجز الكبار عنها.. وتتتابع المآسي على الأم في محاولة للإجابة عن كل تلك الاستفسارات التي تدور حول وضع زوجها المفقود.
المركز الصحفي السوري – آية رضوان