بانتظار حسن نصر الله تردد غير سهل في نهاية الأسبوع: هل وكيف يرد على مقتل ناشط التنظيم الذي قتل بغارة على المطار في دمشق. من جهة، هو ملتزم بالمعادلة التي قررها بأنه سيرد من لبنان أو من سوريا على موت أي من رجاله في سوريا؛ ومن جهة أخرى، ليس له أي مصلحة بأن يخاطر الآن بجر لبنان المحطم اقتصادياً إلى مواجهة مع إسرائيل. فنصرالله شيعي ولكنه ليس انتحارياً.
في أيلول الماضي، أخذ بالفعل رهاناً حين دفع بخلايا مضادات الدبابات إلى المقدمة، وكاد يصيب سيارة إسعاف تحمل خمسة جنود. لو أصاب الصاروخ سيارة الإسعاف، لانتهى هذا ببضعة أيام قتالية، في أفضل الأحوال إن لم يكن بتصعيد أوسع. وإلى جانب خيبة الأمل من قدرة تنفيذ رجاله المتدنية، يمكن الافتراض بأن نصر الله تنفس الصعداء أيضاً على أنه رفع العتب فرد، وامتنع عن التصعيد في الوقت نفسه.
لقد كان نصر الله ملتزماً بأن يرد في حينه على ضربة موجهة ودقيقة لرجاله في سوريا وعلى هجوم سابق على عتاده في قلب بيروت. هذه المرة يدور الحديث عن ناشط صغير قتل بالصدفة في هجوم على مخازن إيرانية في مطار دمشق. وحسب الجنازة المتواضعة التي جرت له في قرية عيتيت، فهذا ليس ابنا عزيزاً للتنظيم.
في مسطرة حساسة، حاول أن يفكر ماذا سيكون رد الفعل الذي يمكن لإسرائيل أن تحمله دون أن تنجر إلى التصعيد. يمكن لهذا أن يكون من لبنان وسوريا أيضاً، ويمكن أن يكون هذا بإطلاق النار، أو بعبوة ناسفة، أو فقط بقطع رمزي للسياج الحدودي. عندما يكون مضغوطاً تعلم نصر الله أيضاً من الإسرائيليين أن يقول: “سنرد في المكان والزمان الذي نختاره”. ولديه أسباب لضغوطاته: لبنان منهار اقتصادياً، والمتظاهرين في شوارع بيروت وطرابلس يعرفون من يتهمون.
ليس مثل معظم جيراننا الغارقين عميقاً في الثقافة الإقليمية، فإن الكثير من سكان لبنان يتطلعون إلى أن يشبهوا أوروبا. وأجاد في عمل ذلك الصحافي الشجاع نديم قطيش، الذي شبه لبنان بإسرائيل: “المقياس الوحيد لكرامة الإنسان هو دخله بالنسبة للناتج القومي”، قال. “الدخل المتوسط في لبنان هو 360 دولاراً في الشهر وفي إسرائيل هو 3.600 دولار. إسرائيل ذاتها التي انتصرنا عليها هزمناها وأخذناها”، لذع حزب الله.
نصر الله، الذي يحاول إعادة بناء صورته كوطني لبناني، حساس جداً لرأي الجمهور في بلاده، وليس أقل منه للرأي العام في إسرائيل. ويفهم بأن فتح جبهة مع إسرائيل، في أيام الأزمة الاقتصادية وكورونا، سيسمح لنتنياهو بالعودة إلى الأجندة الأمنية المحببة إليه وإثبات زعامته أمام لبنان. وعليه، فإن تحدي حزب الله هو إيجاد طريق للرد تكون المخاطرة فيه محدودة.
الجيش الإسرائيلي هو الآخر يبث في هذه الأثناء ارتياحاً وليس ضغطاً أمام رد محتمل من حزب الله. في هذه اللحظة لا نلاحظ استعدادات عملية للرد، والجيش الإسرائيلي يكتفي بتعزيز وبالحد الأدنى لكتيبة واحدة فقط من جولاني في الشمال. لا حاجة لخلق أهداف مصادفة أكثر مع حزب الله.
ينزلون إلى الدفاع
مشكلة الجيش الإسرائيلي هي أن هذا الارتياح تجذر في الحدود الشمالية، وذلك رغم تغييرات مقلقة في انتشار حزب الله. كتائب “الرضوان”، القوات الخاصة للتنظيم، عادت من سوريا بتجربة قتالية غنية وتمركزت في القرى المجاورة للحدود مع إسرائيل. مهمة كتائب الرضوان هذه هي اجتياح أراضي إسرائيل واحتلال بلدة. هذا ما يتدربون عليه وهذه هي غايتهم. ومن غير المستبعد أن يكون جزء من هذه الوحدات موجوداً منذ اليوم في وضع من التأهب؛ أي أنها قادرة على أن تخرج إلى العمل دون استعدادات خاصة.
يتصرف الجيش الإسرائيلي أمامها وكأنه لم يفاجأ. والفرضة هي أن الاستخبارات ستعرف كيف تعطي إخطاراً قبل كل عملية سينفذها “الرضوان”. استعداد الجيش الإسرائيلي على الحدود الشمالية لا يزال يقوم على أساس أننا نقف أمام مخربي “فتح” في السبعينيات: مع قيادة فرقة مقامة على تلة أمام عيون حزب الله، مع قيادات لواء وكتائب مكشوفة تماماً. لقد سبق أن كنا ذات مرة في مثل هذا المفهوم. الجيش الإسرائيلي ملزم بأن يتبنى الفرضة الأكثر تشدداً في أنهم سينجون في مفاجأتنا، ويعيد بناء الخط في الشمال.
كما أن الخطط العملياتية للجيش الإسرائيلي يجب أن تجتاز تكييفاً مع وضع تبدأ فيه الحرب بالمفاجأة وتجري في معظمها في الأراضي الإسرائيلية. يفرض التهديد الشمالي على الجيش الإسرائيلي أن يركز في مجال ما كان يحبه – الدفاع. منذ تأسيسه، كان الجيش الإسرائيلي جيشاً هجومياً، فالهجوم أسهل دوماً. إذ إنه يتطلب تركيز الجهد في نقطة واحدة. وبالمقابل، على المدافع أن يوزع جهوده على كثير من النقاط، واحتمال أن تقتحم واحدة منها أعلى بكثير. تعلمنا في حرب يوم الغفران الثمن الباهظ لدفاع ضعيف وخروج إلى الهجوم بعد المفاجأة.
لم يعد حزب الله تنظيماً إرهابياً، بل هو جيش هجومي ذو قدرة نارية وتكتيكات حرب عصابات. والمعركة ضده لن تجري في مناورة سريعة في المحاور التي دخلنا فيها إلى لبنان في 1982، بل في مناوشات واسعة على خط التماس وبنار مكثفة، من الطرفين، على الجبهة الداخلية. جيشنا البري اليوم غير جاهز بجودة كافية لهذه المناوشة، ولكن هذا الأسبوع كان يمكن أن نرى نقطة ضوء نحو المستقبل. في منشأة التدريب في “تساليم” سجلت هذا الأسبوع علامة طريق لا تقل تاريخيا، فالوحدة متعددة الأبعاد التي أقامها رئيس الأركان “رفائيم”، أقامت هناك تدريباً أول لها. هذه الوحدة هي مثابة حاضنة للحداثة، تتضمن جملة قدرات الجيش الإسرائيلي – في البر، والجو والاستخبارات – وتحاول حمل الجميع إلى استنفاد لقدرة القتل. لا يمكن أن نفصل أكثر عن القدرات الموجودة في الوحدة، ولكن يوجد فيها مقاتلون مختارون من كل أذرع الجيش، ومثلما وحدة 101 في حينه، فإن الوحدة متعددة الأبعاد يفترض أن تشق الطريق وتصوغ عقيدة قتالية جديدة للجيش الإسرائيلي كله.
الانطباع الذي أخذ من الزيارة إلى تلك المناورة هو أن الحديث بالفعل يدور هنا عن اختراق للطريق لم أشهد مثيلاً له في العقدين الأخيرين. بعد سنة من إقامتها، نجح رجال الوحدة في حل المشاكل وأعناق الزجاجة التي يصطدم بها الجيش منذ بضع سنين. سيكون تحدياً كبيراً نشر القدرات التي يطورونها للجيش الكبير، ولكن هذه كانت مثابة إطلالة إلى الجيش الإسرائيلي في العقد المقبل. لن ينجحوا في حل كل المشاكل، بل وأقل من هذا أن يزرعوا رسالتهم، ولكن وحدة “رفائيم” هي دليل آخر على أن إسرائيل عندما تجند كل ما لديها، فلا يمكن لأي شيء أن يقف في وجهها. لا العدو ولا الفيروس.
بقلم: ألون بن دافيد
معاريف 24/7/2020