“أه يا ولدي وكيف أنساك.. أنت في قلبي الذي أصبح ضعيفاً في بعدك.. أنت في عيوني التي لم تعد ترى سوى وجهك.. صوتك في أذني يناديني.. لكن لم أعد أسمع سواه”
تلك كلمات “أم عبدالله” التي تركت الثمانين عاماً وراءها بصوتها المنخفض لدى سماعها تسجيلات ابنها الصوتية من بلد الغربة يسألها عن الحال التي باتت عليه، بعد فراق طالت أيامه.
آلاف الأمهات في سوريا يعشن معاناة طالت كثيراً، في ظل حاجتهن لمعيل، نظراً لفقدانهن أبنائهن أو أزواجهن قتلاً أو اعتقالاً أو تهجيراً، مما ضاعف صعوبة ومتاعب الحياة التي توشحت السواد وخرج اللون الأبيض من أيامها.
كما تكشف “أم سامر” من ريف إدلب (55 عاماً) بدموع تسبق الكلام عن حزنها العميق بهجرة أبنائها الأربعة “نامت أعين الناس.. وبعدي للصبح صاحية، يامين يرجعلي أبنائي ويشفي الآه بجراحي.. الله يحرمك يا بشار من ولادك.. حرب نظامك الشرس وطيرانك الغادر خلي ولادي ينزحوا خوف ع أرواح أحفادي”.
وهذا العام كمثله من الأعوام الخمسة الماضية، حيث تسبب نظام يستعين بالغرباء الطامعين بالبلاد، بقتل عشرات الآلاف من الأبناء، حتى بإخفاء وقتل العديد منهم في سجونه السيئة السمعة، بالإضافة إلى اللذين انتشروا في بلدان اللجوء المتعددة.
حال أمهات المعتقلين ليست بأفضل ممن تركها أبناؤها خوفاً وقسرا.
تروي جارة أم عبد لله “لست أوفر حظاً من جارتي.. لكن أن تسمع صوت أبنائك رغم ألمهم ببلاد الغربة وحنينهم للوطن، أرحم بكثير من قلب أم فقدت فلذة كبدها في غيابات السجن لا تعلم أهو على قيد الحياة أم فراق لا أمل بعده باللقاء”
يحلم أبناء سوريا رغم بعدهم عنها بالعودة وتقبيل رؤوس أمهاتهم، الصابرات في زمن يزداد صعوبة يوماً بعد يوم.
تقول “سلمى” من مدينة إدلب المقيمة في أوربة، “قلبي وروحي مع كل أمهات بلدي.. اشتقت لأمي وكأني طفلة في المهد.. حتى لغضبها.. سامحيني يا أمي تمسكك بالوطن رغم أوجاعه يشهد لك بالصبر.. ولكن رغم اختياري للغربة.. سأعود لأضمد جراحه”
وطبعاً أم عبد لله كغيرها من أمهات سوريا، لن تنسى قطعة بترت من جسدها وفارقتها، وبصوت متقطع تدمدم قائلةً “يا ولدي لم يعد لدي دموع تبكي فراقك.. سامحني إن مت قبل أن نلتقي.. فلم يعد هناك ما يشدني للبقاء، فقدت لون وطعم الحياة ولكن رجائي من الله أن أضمك بصدر رقيق العظام وبيدي المرتعشتين”
المركز الصحفي السوري_بيان الأحمد