العربي الجديد – رائد الجندي
عندما شاهدت صورة لأدولف هتلر، المتسبب بمقتل ملايين الأشخاص، يطعم غزالاً صغيراً، كنت لا أصدق أن هتلر النازي كان طيب القلب رقيقاً وعطوفاً، هل هذا فعلاً هتلر الذي قتل الملايين، وشردهم بعدما احتل أجزاء من أوروبا، وكان يريد أن يحتل العالم بأسره، حتى لو كلفه ذلك المزيد من القتل والدمار. ربما أراد المقربون من هتلر إظهاره بأنه على الرغم من قسوته في الحرب، إلا أنه إنسانٌ غير مجرد من المشاعر والأحاسيس. فباعتقادهم، وهتلر معهم، أنه لا بد بين حين وآخر من إظهار هتلر الإنسان، وهذا ما يحاول أن يفعله الأسد الآن. وهذا دليل واضح على أن مجرمي الحرب وقاتلي الشعوب يسيرون بمنهج واحد.
فالرئيس السوري، بشار الأسد، يعمد، وبناءً على نصائح مستشاريه، على إظهار نفسه القوي المتماسك الذي يتحدى العالم أجمع. فتارة نراه يقف مع جنوده البواسل، ليتفقدهم ويدعمهم ليلاً، في كذبة دخوله حي جوبر، ليظهر للناس شجاعته بوجوده بين جنوده، وأنه معهم، ولم ينسهم في حربه المجنونة على الشعب السوري، حتى إننا سمعنا صوتاً لإطلاق النار في مكان وقوف الأسد، ليرى مؤيدوه أنه لا يخاف، ولا يهاب الموت، وذلك كله من أجل عيونهم وعيون سورية التي يعتبرها الأسد مزرعته الخاصة.
وتارة أخرى، نراه مبتسماً ضحوكاً، كما كنا نراه في خطاباته، والدماء تسيل من أبناء شعبه، فصوره موزعة بشكل مدروس على المناطق الموالية له، فغالباً ما ترى صوراً له، وهو مبتسم في الأماكن المدنية، ليظهر بشار الإنسان، وصوراً له حاد الشكل، حازماً في المناطق العسكرية، هذا عدا صورته الأخيرة مع أطفاله وزوجته، يمرحون بالثلج، ليظهر أنه أب وزوج مثالي أيضاً، وأن له الحق بالاسترخاء والمرح مع أبنائه، واللعب معهم بثلوج المرح الأسدي الذي غطى أجساد اللاجئين السوريين، في منافيهم البعيدة، وقتل عشرات منهم برداً وصقيعاً.
ونعود مجدداً إلى هتلر، فقد دعم الحزب الاشتراكي الألماني تربية الحيوانات، واعتبرها سمة أساسية من سمات الدولة، وكانت الدعاية النازية تحرص على تقديم هتلر للجمهور محباً للحيوانات، خصوصاً كلبته “بلوندي” التي كان يحبها كثيراً، حتى إنه كان يكره قتل الحيوانات.
وفي إحدى المرات، قال “لو كنت أمرت بتحويل الشعب الألماني إلى النباتية، لما كان بإمكان الحزب أن ينجح”. وقال في يوم 25 أبريل/نيسان 1942، إنه سيتولى بنفسه، بعد انتهاء الحرب، مهمة تحويل الشعب الألماني إلى النباتية.
إذاً، هو يكره أكل اللحوم من مبدأ كرهه قتل الحيوانات، لكنه كان سعيداً بشنّ الحروب وقتل ملايين البشر الأبرياء، وهذا انفصام حقيقي في الشخصية.
لن نذهب بعيداً، فجوزيف ستالين الذي كان مسؤولاً، أيضاً، عن مقتل ملايين الأشخاص من أبناء وطنه، كان يهتم بابنته، ويحبها كثيراً، وكان مستعداً لملاعبتها ساعات طويلة، تماماً كبشار الأسد الذي يُظهر لنا نفسه أباً مثالياً مع أبنائه، حين يخرج، ويلعب معهم في الثلج، على الرغم من الحرب في سورية.
لِنَعُد إلى ستالين، ووفقاً لزوجة أحد الكوادر في الحزب الشيوعي، فإنه كان خفيف الظل ومرحاً ولطيفاً، وكان يحب الرحلات الاستكشافية في الطبيعة، ويقوم هو بنفسه بشواء اللحم والأكل والغناء، وممازحة من يكون معه في الرحلة.
كان ستالين، وعند عودته من مرحه، يسهر إلى ساعات الفجر الأولى، بغية التوقيع على قوائم الإعدام الجماعي التي احتوت كل منها على أسماء آلاف المعارضين لحكمه، ويقال إن ستالين كان يقرؤها اسماً اسماً، شاطباً اسم أحدهم أحياناً، ومنوهاً إلى وجوب الاكتفاء بنقله إلى جحيم سجن “الغولاغ” المؤبد في سيبيريا، وهو مكان لا عودة منه.
إذن، سياسية المجرمين واحدة، سواء بإظهار الطيبة أو بفعل جرائم بأفكار خبيثة، فمثلاً عندما طلب ستالين من أهل القرى حرق قراهم، قبل الهروب منها، حتى لا يستفيد منها الألمان، حينما يدخلون إليها ليحتلوها، كذلك فعل رستم غزالة بقصره في درعا، عندما أمر جنوده بتفجير قصره، لأنه لا يريد أن يستفيد منه الثوار بعد احتلالهم له. إذاً هي العقلية الإجرامية نفسها.
فكما حاول هتلر وستالين خداع الجميع سابقاً بأنهم يمتلكون قلوباً رحيمةً، فالأسد، اليوم، ينتهج الأسلوب نفسه، لكسب ودّ وحب أكبر عدد ممن يُخدعون بسحر عينيه الزرقاوين، وضحكاته البلهاء، وليس ذاك العسكري القاسي.
كلنا يذكر صحافي مجلة باري ماتش، ريجيس لوسوميه، والذي استطاع الأسد أن يخدعه بسحره الإنساني. فساعة واحدة بلقائه كانت كافية لهذا الصحافي أن يقول إن الأسد ليس وحشاً كما يدعي الجميع، بل هو شخص دافئ، وليس ديكتاتوراً شريراً، بل على العكس، استطاع الصحافي الأميركي، جوناثان تيبيرمان الذي أجرى مقابلة صحافية مع بشار الأسد أن يفضحه فيقول: “إن بشار الأسد كاذب من الطراز الرفيع، لأنه كان يكذب من دون أن يرفّ له جفن، فهو إما مختل عقلياً، أو أنه مؤمن فعلاً بما يقوله، في حالة مماثلة لهتلر، عندما كان مختبئاً في الملجأ، وكان الروس يبعدون مسافة ساعة فقط عن برلين، وكان ما زال يؤكد لجنرالاته أن ألمانيا ستربح الحرب.
لقاء الأسد مع قناة بي بي سي أيضاً، كان له رد فعل عالمي، بسبب إنكاره البراميل المتفجرة، إلى درجة أن موقع “هافينغتون بوست” نشر تغريدات لخبراء ومراقبين بريطانيين حول تصريحات الأسد للقناة، والذين وصفوه بالشخص الواهم والكذّاب، ومن ضمنها، كتبت مراسلة “هافينغتون بوست” في الشرق الأوسط، صوفيا جونز، تغريدة قالت فيها: “إنكار الأسد سقوط البراميل المتفجرة مثل إنكاره أن لون السماء أزرق، والأدلة في كل مكان”.
وهذا دليل آخر على أن الطغاة يشربون من الكأس نفسه، ويسيرون على مبدأ الإنكار، وأن كل شيء بخير، لإيهام مؤيديهم والرأي العام.
ولأن كل مجرمي الحرب مرضى نفسيون، وربما كانوا يعانون من انفصام الشخصية، فالأسد كان جديراً بأن يكون منهم، بل ربما تفوق على الجميع، من خلال خبث ودهاء لا نظير له.
فللأسف، حتى الآن ما زال بعضهم يصدق أن الأسد إنسان، ويدافع عن وطن، ولا يدمر وطناً، ويمتلك قلباً، ولا يُميت القلوب.