نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريرا لـ آن بارنارد، قالت فيه إن تنظيم الدولة استطاع تطوير أسلوبه في القتل، وإن تصويره بإمكانه إحداث صدمة لدى المشاهد، وفي الوقت ذاته يشعره بأنه يرى صورا عائلية على جهاز تلفون ذكي.
وتقول بارنارد إن بث صور العنف الصارخ للتنظيم يستهلك انتباه العالم، بينما التهديدات المألوفة أكثر، مثل براميل الحكومة السورية المتفجرة التي توقع أعدادا أكبر من الضحايا وتقتل عددا أكبر من الناس، فإنها قليلا ما تثير غضبا عارما على مستوى واسع.
ويشير التقرير إلى أن عددا من ناشطي حقوق الإنسان المعارضين في سوريا يحاولون استخدام أسلوب الصدمة لجذب الانتباه إلى العنف الأوسع، حتى إنهم ألبسوا أطفالا البزات البرتقالية، وأدخلوهم في قفص شبيه بالقفص الذي استخدمه تنظيم الدولة لحرق الطيار الأردني معاذ الكساسبة، وقاموا بتصويرهم، ولكن أصواتهم لم تُسمع إلى الآن.
وترى الكاتبة أن عمليات القتل التي يقوم بها التنظيم والإنتاج الهوليودي لها، لا يشيران إلى حرب نائية، بل إن دعاية التنظيم تحاول الوصول إلى أعلى حد من التأثير العاطفي والقيمة الدعائية.
وتبين الصحيفة أن الكاميرات تقوم بتقريب الصورة عندما يمد الخاطفون أيديهم على المختطفين، الصحافيين الغربيين والطيار الأردني والعمال المصريين المسيحيين. وفي آخر فيديو للتنظيم قام الرجال الذين يرتدون البزات السوداء بقيادة المختطفين المصريين بلطف واحدا واحدا على شاطئ في وقت الغروب، ثم جزوا رؤوسهم حتى أصبحت الأمواج حمراء.
ويلفت التقرير إلى أنه بالنسبة لكثير من الناس في الشرق الأوسط، الذين يتبادلون آخر الصور لتنظيم الدولة، التي هي قمة العنف لسنوات من المجازر، وتملأ صورهم مواقع التواصل الاجتماعي، التي تستخدم لتأريخ للصراع، فإن العنف يبدو شائعا بل وجذابا، ويؤدي إلى تحميل مشاعرهم فوق طاقتها، بل إنه يقود إلى تبلد الأحاسيس.
وتنقل الصحيفة عن أحمد البالغ من العمر 39 عاما، قوله: “إنها مثل أفلام المغامرات”، واصفا عنف التنظيم وأفلامه بأنهما مصممان ليشبها فيلما من أفلام كوينتين تارانتيو.
ويشير التقرير إلى أنه تم الرد على عنف تنظيم الدولة بالغارات الجوية من الولايات المتحدة والأردن ومصر، حيث قامت مصر يوم الاثنين بشن غارات جوية على مواقع التنظيم في ليبيا، ردا على مقتل الأقباط.
وتفيد الكاتبة بأنه بينما تحصل جرائم تنظيم الدولة على ردود فعل قوية، فإن قتل أكثر من 200 ألف سوري، ولكن دون عرض لعمليات القتل وتصويرها، يبقى غائبا عن العالم، ومن يتحمل العبء الحقيقي هم السوريون. وعادة ما يشكو عمال الإغاثة من البراميل المتفجرة، التي تسببت بنزوح أكثر من ثلث السكان، ودمرت القطاع الصحي، ومع هذا فإنه لا ينتبه إليها أحد كانتباههم لجرائم تنظيم الدولة.
وتؤكد الكاتبة أن هذا له علاقة بالسياسة؛ فبينما تعلن الحكومات الغربية عن شجبها للأسد؛ لهجماته التي لا تميز على المدنيين، فإنهم لا يرون فيه تهديدا مثل تنظيم الدولة، الذي يشجع أتباعه على القيام بعمليات هجوم فردية في الغرب. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الفيديوهات التي ينشرها التنظيم تؤدي دورا مهما.
وتضيف أن الواقع أيضا كذلك؛ لأن قصف المدن السورية أصبح يبدو طبيعيا، وكأن الصدمة الآن أصبحت تحتاج إلى المبالغة في عرض الجرائم بشكل مرئي لحدوثها. وهذا ما جعل المدافعين عن حقوق الإنسان يبحثون عن صور مثيرة لاستخدامها لكشف الانتهاكات التي تحصل في سوريا.
ويورد التقرير أن المعارض في منطقة دوما في ريف دمشق براء عبد الرحمن، رتب منظرا شبيها بمنظر الطيار الأردني المختطف، الذي كان يرتدي بزة برتقالية داخل قفص حديدي قبل إحراقه حيا، في محاولة يائسة لشد أنظار العالم للغارات الجوية التي تشنها الحكومة، وتقتل عشرات الأشخاص.
وتوضح الصحيفة أن عبد الرحمن طلب قفصا حديديا من حداد، ووضعه بين منازل مهدمة، وأتى بجمع من أطفال الحارة وألبسهم ملابس لونها برتقالي، وأدخلهم في القفص، ثم لوح بشعلة نار، بينما كانت الكاميرا تصور.
ويتساءل الناشط: لماذا تفاعل الناس مع حرق الطيار بينما لم يتفاعلوا مع مقتل الأطفال في دوما؟واعترف بأن بعض الأطفال في القفص خافوا وبكوا وقال: “أنا آسف، لأن الأمر وصل بي إلى حد استخدام الأطفال بهذا الشكل.. ولكن هذا هو الواقع، أطفالنا يموتون كل يوم وكل ساعة تحت الأنقاض”.
وأضاف للصحيفة: “لكن صور الأطفال تحت الأنقاض أصبحت غير مؤثرة، فقد اعتاد الناس على رؤيتها”.
وتذكر الكاتبة أن الناشطين ضد الحكومة ليسوا الوحيدين الذين يسابقون لنشر أبشع صور الحرب، فقد استثمرت الحكومة فيديو يظهر ثائرا ينتزع أعضاء من جسد جندي مقتول ويعضه، والجمعيات الإنسانية تسلك النهج ذاته.
وتوضح الصحيفة أن مجموعة من متطوعي الدفاع المدني قاموا بنشر فيديو أطلق عليه اسم “الرضيع المعجزة”، وهو لرضيع تم إخراجه حيا من تحت الأنقاض بعد غارة جوية. وتستخدم مجموعات المعارضة ما تجده من فيديوهات في تلفونات مقاتلي الحكومة التي تصل إلى أيديها لبث الجرائم التي قاموا بتصويرها، مثل طعن رجل مسن في رأسه.
ويلفت التقرير إلى أن المفوضية العليا للاجئين قامت ببث صور ثلاثة توائم ولدوا في المخيم خلال العاصفة الثلجية، وفقدوا والدتهم بسبب مشاكل صعبة أثناء الولادة.
وتعلق مديرة المفوضية في لبنان، نيتي كالي، قائلة: “إن المأساة الشخصية لهم كبيرة جدا، وتحدث كل يوم للآلاف، ولكن لا تصلها عدسات الإعلام”.
وتختم “نيويورك تايمز” تقريرها بالإشارة إلى قول كالي: “هؤلاء اللاجئون قد دُمرت حياتهم بلا رجعة، ومنهم من يموت بسبب أمر اض السرطان، التي كان يمكن علاجها لولا الأزمة في سوريا، وهذه معاناة حقيقية، ولكنها لا تظهر دائما”.