أعلن الأكراد في سوريا النظام الفيديرالي في مناطق سيطرتهم في شمال البلاد خلال اجتماع عقد في مدينة رميلان في محافظة الحسكة شمال شرق البلاد.
المناطق المعنية في النظام الفيدرالي هي المقاطعات الكردية الثلاث، كوباني بريف حلب الشمالي، وعفرين في ريف حلب الغربي، والجزيرة في الحسكة، بالإضافة الى تلك التي سيطرت عليها قوات سوريا الديمقراطية أخيراً، خصوصاً في محافظتي الحسكة وحلب.
وتناولت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، في تقرير أعدته الكاتبة آن بارنارد، إعلان الأحزاب الكردية السورية المنطقة الفيدرالية ، مشيرة إلى أن المضي قدماً في تنفيذ هذه الخطة من شأنه أن يحرك المياه الراكدة للجدل المثار حول اقتراحين لإعادة رسم الشرق الأوسط، ينطوي كل منهما على تداعيات كبرى بالنسبة إلى سوريا والدول المجاورة لها.
وينوه التقرير إلى ما يروج له الأكراد السوريون من أن هدفهم يتمثل في إضفاء الطابع الرسمي على المنطقة التي تتمتع بحكم شبه ذاتي، والواقعة تحت سيطرتهم خلال خمس سنوات من الحرب، بغية خلق نموذج لحكومة “لامركزية” في جميع أنحاء البلاد.
إعادة رسم الشرق الأوسط
ويرى التقرير أن المضي في تنفيذ هذه الخطة يثير الجدل بشأن اقتراحين لإعادة رسم الشرق الأوسط، أولهما يتمثل في طموح الأكراد في المنطقة، الذي طال أمده، لإنشاء دولة مستقلة. وإذا فشلوا في تحقيق هذا الطموح، فإنهم يأملون في الحصول على المزيد من الحكم الذاتي في الدول التي يتركزون فيها وهي: تركيا والعراق وإيران وسوريا، والتي تنظر إلى تلك التوقعات بدرجات متفاوتة من الهلع.
أما الاقتراح الآخر، كما يشير التقرير، فهو تسوية الحرب الأهلية السورية من خلال تقسيم البلاد، سواء إلى دول “هشة”، أو على الأرجح إلى نوع من النظام الفيدرالي الذي جرى طرحه مؤخراً من قبل المسؤولين السابقين في إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، ووضعه وزير الخارجية الأمريكي جون كيري في الاعتبار بصورة علنية، بيد أن كلاً من الحكومة السورية والكثير من جماعات المعارضة قد رفضه.
إنذار
ويوضح التقرير أن ما وصفه المسؤولون الأكراد السوريون بشأن خطتهم يُعد، على الأرجح، بمثابة إنذار للعديد من المقاتلين السوريين؛ إذ يعني إقامة منطقة فيدرالية تشمل جميع الأراضي الخاضعة الآن لسيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (وهي المجموعة التي يقودها الأكراد والمدعومة عسكرياً من الولايات المتحدة ضد تنظيم داعش الإرهابي).
ويضيف التقرير: “يرى بعض المسؤولين أن هذه المنطقة سوف تتسع لتشمل الأراضي التي يأمل الأكراد في انتزاعها، من خلال المعارك، ليس فقط من تنظيم داعش الإرهابي، وإنما أيضاً من بعض جماعات المعارضة الأخرى المدعومة عربياً أو من الولايات المتحدة”.
ويشير التقرير إلى محاولات المسؤولين الأكراد السوريين للتهوين من شأن هذه الخطوة، وتصويرها أنها تبتعد عن الراديكالية، فهي من وجهة نظرهم “مجرد جهود للحيلولة دون المزيد من التفكك لسوريا “المقسمة والممزقة” بالفعل.
تقسيم سوريا
يقول التقرير: “يركز الأكراد السوريون على أن مثل هذا الكيان لن يُطلق عليه إقليم كردستان، وإنما سيكون منطقة فيدرالية في شمال سوريا، حيث يتمتع فيها العرب والتركمان بحقوق متساوية. كما يلمحون بقوة إلى أنها ليست فكرتهم في الأساس، وأن القوى الأمريكية والآخرين هم من يدفعون بها؛ إذ سبق لأحد كبار المسؤولين السابقين في الإدارة الأمريكية، وهو فيليب غوردون، أن اقترح تقسيم سوريا إلى مناطق تعادل تقريباً المناطق التي يسيطر عليها الأن كل من الحكومة السورية وتنظيم داعش الإرهابي والميليشيات الكردية وغيرها من الجماعات المسلحة”.
ويرى التقرير أن مناقشات الأكراد بشأن إعلان منطقة فيدرالية في شمال سوريا باتت علانية الآن بسبب استئناف الجولة الجديدة من محادثات “جنيف 3” للسلام في سوريا، التي تتم برعاية من الولايات المتحدة وروسيا، بهدف الوصول إلى حل سياسي للحرب الأهلية السورية.
تطلعات الأكراد
ويضيف التقرير: “من المرجح أيضاً أن يقود ذلك إلى تكثيف المخاوف التركية إزاء المناطق المتنامية في سوريا على طول حدودها والواقعة تحت سيطرة الميليشيات الكردية السورية، وخاصة أن تركيا تعتبر الجماعات الكردية عدوها الأخطر بعد سنوات من الصراع مع الأكراد داخل سكانها”.
ويوضح التقرير أن روسيا تدعم فكرة النظام الفيدرالي في سوريا، فيما تدفع الولايات المتحدة إلى تطبيق “اللامركزية”، لاسيما أنها ترأست تأسيس حكومة كردية إقليمية تتمتع بالحكم الذاتي في العراق.
روسيا وأمريكا
ومن ثم فإن القوتين العظمتين في العالم، بحسب التقرير، تدعمان تطلعات الأكراد؛ إذ أيدت روسيا مؤخراً أن يكون للأكراد السوريين دور مهم في محادثات جنيف، كما دعمت الولايات المتحدة أكراد العراق على مدى عقود من الزمن، وعلاوة على ذلك فإنها قدمت السلاح والدعم الجوي للجماعات السورية التي يقودها الأكراد لمحاربة تنظيم داعش الإرهابي.
يقول التقرير: “يرى البعض أن طموحات الأكراد السوريين قد تبدو متواضعة بالمقارنة مع نظرائهم في الدول المجاورة، ويعتقد الأكراد أنهم أكبر مجموعة عرقية في العالم تفتقر إلى دولة مستقلة. بيد أن طموحات الأكراد قد اشتعلت نتيجة الغزو الأمريكي للعراق، وفوضى الثورات العربية والدور الذي لعبه المقاتلون الأكراد في الحرب التي تقودها الولايات المتحدة ضد تنظيم داعش الإرهابي في سوريا والعراق”.
تركيا
وعلى الرغم من أن الجماعات الكردية قد أعلنت عن خططها “لتحرير” مناطق في شمال سوريا الواقعة حالياً تحت سيطرة جماعات المعارضة وتنظيم داعش الإرهابي وجبهة النصرة، فإن أي تحرك من الأكراد للاستيلاء على تلك المناطق سيثير رداً من تركيا التي تسعى إلى اقتطاع جزء من شمال محافظة حلب التي تسيطر عليها جماعات المعارضة، واعتبارها منطقة “عازلة” أو “آمنة”؛ لمنع الأكراد من توحيد المنطقتين الخاضعتين لسيطرتهم في سوريا.
وتختتم الصحيفة تقريرها بالإشارة إلى أن تطبيق النظام الفيدرالي في بقية سوريا سيكون على الأرجح من الأمور الأكثر تعقيداً؛ إذ أنه من الصعب التفكير في أن أياً من الأطراف المعنية سوف توافق على خطة تسمح رسمياً بإنشاء مناطق لا تزال تحت سيطرة تنظيم داعش الإرهابي، واعتبارها جزءاً من “فيدرالية” سوريا.
مركز الشرق العربي