قالت صحيفة نيويورك تايمز في افتتاحيتها أن الانتقادات التي وجهها 51 دبلوماسياً بوزارة الخارجية الأمريكية للسياسة التي تنتهجها إدارة أوباما إزاء الحرب في سوريا، تثير الجدل من جديد عما إذا كان شن عدد محدود من الضربات العسكرية الأمريكية ضد بشار الأسد من شأنه أن يساعد في الضغط على الأخير للوصول إلى اتفاق سلام.
وصف الأزمة يختلف عن تقديم إستراتيجية عقلانية بديلة قابلة للتطبيق؛ إذ لم تؤيد المذكرة، التي وقع عليها 51 دبلوماسياً في الخارجية الأمريكية، فكرة التدخل العسكري الأمريكي المباشر في سوريا
وتلفت افتتاحية الصحيفة إلى أن الحرب المتصاعدة في سوريا قتلت نحو 400 ألف سوري، غالبيتهم على أيدي قوات بشار الأسد، فضلاً عن تشريد 12 مليون سوري. وللأسف، انهارت الجهود الرامية للحفاظ على هدنة وقف إطلاق النار بين الأطراف العديدة المتحاربة في سوريا (قوات الأسد وحلفاؤه روسيا وإيران ومختلف جماعات المعارضة المناهضة لبشار الأسد). وفي الوقت نفسه، لا يزال داعش، الذي رسخ معقلاً له في سوريا، يمثل تهديداً للمنطقة والعالم بأسره.
إحباط عميق
وترى الصحيفة أن كل ذلك أصاب الكثير من الدبلوماسيين الأمريكيين بإحباط عميق، بيد أن وصف الأزمة يختلف عن تقديم إستراتيجية عقلانية بديلة قابلة للتطبيق؛ إذ لم تؤيد المذكرة، التي وقع عليها 51 دبلوماسياً في الخارجية الأمريكية، فكرة التدخل العسكري الأمريكي المباشر في سوريا، والتي درسها بالفعل الرئيس أوباما ومساعدوه، وتم رفضها لاعتقاد الإدارة الأمريكية أن مثل هذا الإجراء يمكن أن يقود إلى المزيد من الفوضى، في حين أن الولايات المتحدة ملتزمة بدورها الأعمق إزاء حرب أخرى في الشرق الأوسط (الحرب ضد الإرهاب).
لا اتفاق سلام
وتشير نيويورك تايمز إلى أن القضية الجوهرية التي يثيرها الدبلوماسيون في المذكرة التي وقعوها تتمثل في أنه لن يكون هناك أي اتفاق سلام من دون تهديد نظام بشار الأسد باستخدام القوة العسكرية، وخاصة أنهم كانوا حريصين على الدعوة فقط إلى استخدام أسلحة مثل صواريخ كروز؛ من أجل الحفاظ على أن يكون الأمريكيون خارج نطاق الانتقام السوري. وعلاوة على ذلك فقد رفض الدبلوماسيون فكرة القيام بغزو أمريكي لسوريا على نطاق واسع.
لعبة روسيا المزدوجة
وتتساءل الصحيفة عن التداعيات الناجمة إذا لم تفلح تلك الضربات “المحدودة” في إحداث النتائج المرجوه. وترى أنه بغض النظر عن معايير تلك العمليات، فإن الولايات المتحدة سيتم استدراجها حتماً إلى مستنقع آخر في الشرق الأوسط، وسوف تتزايد إلى حد بعيد احتمالية دخولها في مواجهة عسكرية مع روسيا؛ إذ تلعب الأخيرة لعبة مزدوجة في سوريا من خلال التظاهر بخدمة الجهود الدبلوماسية بينما تقوم بشن الضربات الجوية التي سمحت لبشار الأسد باستعادة اليد العليا في ساحة المعركة.
منطقة حظر طيران
وعلى الرغم من أن فرض منطقة حظر طيران من شأنه أن يوفر ملاذاً آمناً للمدنيين السوريين لحمايتهم من الغارات الجوية السورية والروسية، فإنها على الأرجح ستكون “إشكالية”؛ إذ يكشف الباحث ميكا زينكو بمجلس العلاقات الخارجية عن أن الغارات الجوية مسؤولة عن نسبة محدودة من الضحايا (معظمها حدثت نتيجة إطلاق النار وقذائف هاون والهجمات الصاروخية). ولإقامة منطقة حظر طيران توفر الحماية بالفعل، يجب أن تكون مساحتها كبيرة جداً، وأن تمتد إلى مناطق تنطوي على مخاطرة وقوع مواجهات بين الطائرات الأمريكية والروسية والسورية.
التدخل الإنساني ليس في القانون الدولي
وتنوه نيويورك تايمز إلى قضية أخرى تتعلق بالأساس القانوني للتدخل الأمريكي؛ إذ لا يتوافر لدى الرئيس أوباما قرار صادر من مجلس الأمن الدولي أو تفويض من الكونغرس لتبرير التدخل العسكري ضد حكومة بشار الأسد. ويرى بعض المحامين مثل هارولد كوه، مستشار سابق بوزارة الخارجية الأمريكية، أنه يمكن التعويل على “التدخل الإنساني”، ولكن المسؤولين القانونيين بالإدارة الأمريكية يقولون أنه لا يوجد أساس لذلك في القانون الدولي.
عناد بشار الأسد
وبحسب الصحيفة، فإن روسيا لا تزال ذات أهمية محورية في أي جهود للسلام، لا سيما أنه بفضل دعم موسكو وإيران، يستمر بشار الأسد في عناده ومقاومته للتسوية السياسية. ويأمل بعض المسؤولين بالإدارة الأمريكية في إقناع الرئيس فلاديمير بوتين بأن استمراره في دعم الأسد يكبده خسائر كثيرة ليس أقلها استعداء الدول الإسلامية السنية، إضافة إلى إضطرار موسكو على الالتزام بتكلفة القوات والأسلحة التي تدافع عن بشار الأسد. ولا شك في أن الانهيار الكامل لهدنة وقف إطلاق النار وما يتبعه من زيادة دعم الأطراف المتحاربة لوكلائها في ساحة المعركة، سيؤدي إلى المزيد من إراقة الدماء.
وتختم نيويورك تايمز: “لا خيارات جيدة في سوريا والوضع يزداد سوءا، ولكن لم يطرح أحد حتى الآن مبررات مقنعة بأن التدخل العسكري الأمريكي المباشر ضد بشار الأسد من شأنه أن يحقق النتائج المرجوة”.
مركز الشرق العربي