ضاعفت ظروف المعارك والتهجير من محنة المرضى السوريين الذين يحتاجون لعلاج ورعاية دائمة، وكان من بين هؤلاء مرضى الثلاسيميا (انحلال الدم) الذين لا يمكنهم البقاء على قيد الحياة دون الحصول على دم جديد كل فترة، وهو ما جعل حياتهم في خطر دائم مع كل تأخير في توفير الدم أو حتى الدواء.
والثلاسيميا واحد من الأمراض المنتشرة بنسبة عالية في سوريا، فبحسب أرقام وزارة الصحة التابعة لحكومة النظام هناك أكثر من 10000 مريض أحصتهم في عام 2013، يتم علاج معظمهم في المشافي العامة، أما في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة فيوجد مركز واحد في كفرنبل مخصص لعلاج هذه الحالات، وتساعده بعض النقاط الطبية الصغيرة في المشافي التي يتوفر فيها فائض في وحدات الدم.
مخزون أقل وزمر مفقودة
رغم الضغط الكبير على المشافي ومراكز بنك الدم خلال السنوات السابقة بفعل ارتفاع أعداد الجرحى والمصابين في مناطق المعارضة، إلا أن هذه المراكز استطاعت بفضل تبرعات المدنيين إنقاذ حياة الكثير من الجرحى، كما أمنت للمرضى حاجاتهم بشكل دوري.
لكن وخلال الأيام القليلة الماضية أعلن مجمع كفرنبل الطبي، والذي يحوي المركزالأساسي لعلاج مرضى الثلاسيميا، أنه مهدد بوقف العمل بسبب نقص عمليات التبرع بالدم، والتي تعد الوسيلة الوحيدة لتأمين الدم اللازم للمرضى. وناشد المركز عبر المراصد والمساجد وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، الأهالي القادرين على التبرع بالتوجه إلى المركز بسبب فقدان بعض الزمر الأساسية وتراجع مخزونه منها.
وفي هذا السياق قال بدر رسلان، المدير الإداري للمجمع الطبي المجاني في كفرنبل، إنّ هناك 370 مريضاً من جميع المحافظات السورية مسجلون بشكل رسمي في مركز معالجة الثلاسيميا، كما جرى استقبال عدد إضافي مؤخراً من النازحين الذين قدموا من حي الوعر بحمص ومن حماه وجبل الأكراد في اللاذقية.
وحول أسباب المشكلة الحالية أوضح رسلان في حديثه لـ صدى الشام أنه ومع حلول شهر رمضان “تراجعت نسبة المتبرعين بشكل كبير بسبب اعتقاد بعضهم أنه لاحاجة لذلك في ظل حالة التهدئة في المنطقة، فضلاً عن خشية آخرين من أن تبرعهم بالدم يتسبب بإفطار الصائمين”.
وأمام هذا الواقع اضطر المركز لإجراء حملة توعية لنقض هذه الفكرة والتشديد على عدم تأثير التبرع بالدم على الصوم، كما عمد المركز- وفق رسلان- إلى استقبال المدنيين بعد الإفطار لتفادي النقص الحاصل.
وتكمن خطورة الوضع الحالي وفق المدير في أنّ هناك أكثر من 50 طفلاً يحتاجون لنقل دم سريع وهم من المصابين بمرض الثلاسيميا، كما أن هناك كل يوم 10 نساء تقريباً يحتجن لنقل دم بسبب الولادة، عدا عن حالات الحوادث المرورية التي يحدث بها نزيف ويحتاج المصاب على إثرها إلى تزويده بالدم خلال فترة قصيرة وإلا تعرضت حياته للخطر.
مع تراجع عدد المتبرعين بالدم في رمضان قام مجمع كفرنبل الطبي بحملة توعية لنقض فكرة تأثير التبرع بالدم على الصوم وتسببه بإفطار الصائمين، كما عمد المركز إلى استقبال المدنيين بعد الإفطار لتفادي النقص الحاصل.
كيف ينشأ وماذا يحتاج؟
ينشأ مرض الثلاسيميا أو ما يعرف اصطلاحا بـ “أنيما البحر المتوسط” بسبب عوامل وراثية ناتجة غالباً عن زواج الأقارب، أو تنتقل من الوالدين إلى الأبناء في حال كانا يحملان سمة المرض، وتصل نسبة احتمال إنجابهما لأطفال مصابين بهذا المرض إلى 25% وأطفال سليمين 25% وحاملين للمرض بنسبة 50%، أما في حال كان أحد الوالدين يحمل المرض، فإن احتمال إنجاب أطفال حاملين للمرض يصل لـ 50%.
وعند الإصابة يفقد الجسم القدرة على تكوين كريات الدم الحمراء التي تنقل الغذاء والأوكسجين إلى مختلف أنحاء الجسم بشكل سليم، ويصبح المصاب بحاجة إلى نقل دم بشكل دوري كل 3-4 أسابيع حسب عمر المريض ودرجة نقص الهيموجلوبين ( بروتين موجود داخل خلايا الدم الحمراء ويحتوي على ذرات الحديد، يلتقط الأوكسجين في الرئتين ويسلّمه إلى الأنسجة للحفاظ على حياة الجسم).
وحول طريقة الكشف عن الثلاسيميا يوضح المخبري أسامة قاسم لـ صدى الشام أنّ “الكشف المبكر يجري عن طريق الفحص المخبري بالفصل الكهربائي للهيموغلوبين، أو تحليل انحلال الخضاب”، لكن ومع قلة المعدات الطبية اللازمة في المناطق المحررة يؤكد قاسم أنّ “الأطباء يوجهون ذوي المريض للتوجه إلى تركيا، أو إلى مناطق النظام لإجراء الفحوصات اللازمة ما يعني تكاليف مالية تتكبدها أسرة المريض”.
أما في مراحل نقل الدم الدورية فإن المريض يحتاج- وفق قاسم- إلى أدوية للتحسس، ودواء مدر للبول من جسم المرضى، ودواء للحديد وهو دواء غالي الثمن يبلغ سعره أكثر من 140000 ألف ليرة لكل علبة.
ورغم دعم منظمة “الرعاية الطبية” لمركز كفرنبل بهذه الأدوية الباهظة الثمن إلا أنّ مراكز أخرى مثل سراقب ومدينة إدلب تعاني من صعوبات في تأمين هذا الدواء ضمن مراكزها وفق ما يؤكده قاسم.
يواجه ذوو مرضى الثلاسيميا في المناطق المحررة مشكلة في القيام بالفحوصات اللازمة للكشف المبكر عن المرض نتيجة قلة المعدات الطبية، لذلك فإن الأطباء ينصحونهم بالذهاب إلى تركيا أو إلى مناطق النظام لإجراء هذه الفحوصات.
بوادر إيجابية
مشكلة أخرى أشار لها المدير الإداري للمجمع الطبي في كفرنبل، وهي عدم تقاضي الكادر الطبي لرواتبهم منذ مدة طويلة إذ يعمل في مركز الثلاسيميا حالياً ثلاثة أطباء وأربعة ممرضين، وقد تلقوا بحسب تأكيده وعوداً من وزارة الصحة في الحكومة السورية المؤقتة لتغطية رواتبهم بدءاً من شهر تموز المقبل.
وخلال الفترة الأخيرة عمل مركز كفرنبل الطبي على التواصل مع منظمات عالمية للمساهمة في مساعدة المرضى، ويؤكد المدير الإدراي للمركز أن الفريق الطبي نجح بتأمين إيفاد 6 أطفال إلى خارج سوريا لزراعة نقي عظام على نفقة المنظمات المهتمة.
ويأمل رسلان أن يتم تأمين عدد أكبر من العمليات للأطفال المصابين خلال الفترة القادمة موضحاً أن الأولوية ستكون للعائلات التي لديها أكثر من طفل مصاب.
عربي 21