تسببت الحرب في سوريا خلال خمس سنوات مضت بتهجير معظم شبابها خوفا من ملاحقة قوات النظام لهم بحجة سحبهم لخدمة العلم أو الاحتياط، فضلا عن مقتل العديد منهم جراء القصف وقذائف الموت التي تستهدفهم بشكل يومي، لتكون معظم المدن السورية شبه خالية من فئة الشباب وبالأخص في مناطق النظام.
ونتيجة لغياب فئة الشباب من المجتمع السوري كان لابد من ظهور المرأة السورية في كثير من المجلات، والتي أجبرت على الانخراط في أدوار وأعمال ذكورية لاتتناسب مع قدراتها الجسدية، لكن ظروف الحياة قهرت أنوثتها وأرغمتها على تحمل كثير من الأعباء في ظل غياب دور الرجل من حياتها.
” معلمات لقيادة الحافلات” في دمشق، عبارة تناقلتها العديد من مواقع التواصل الاجتماعي التابعة للنظام منذ أيام باعتبارها ظاهرة جديدة وغريبة من نوعها، وذلك بعد حصول عشر نساء على شهادات قيادة مركبات كبيرة تخولهن العمل في وسائل النقل العامة.
وبحسب زعم إعلام النظام فإن الفتيات حصلن على الشهادات بناء على رغبة منهن بتعلم قيادة المركبات المتخصصة بنقل تلاميذ المدارس بشكل قانوني باعتبارهن يعملن في مجال التربية “رياض الأطفال”، وقد صرح معاون وزير النقل في حكومة النظام عمار كمال الدين على هذه الظاهرة :”إن الفتيات أبدين تفوقاً في فحوص السلامة المرورية والمواد النظرية التي خضعن لها وخاصة أنه تم تدريبهن على برنامج عمل خاص بنقل طلاب المدارس ابتداءً من قواعد المرور والتصرفات والإجراءات الخاصة في هذه المهنة من حيث نقل الطلاب ومرافقتهم وحسن التصرف حيال جميع الأمور المتعلقة بهذا العمل وانتهاء باختبارات القيادة على باصات وميكروباصات معدة للنقل العام”.
والجدير بالذكر أن الحصول على”شهادة السوق العمومية” يعتبر حلما للرجال في سوريا وبالأخص بعد الأزمة، نظرا لما تتطلبه من إجراءات قانونية وأمنية بالإضافة لدفع مبالغ مالية كبيرة للموظفين في قطاع النقل، واستغلت حكومة النظام هذه الظاهرة عبر احتفائها بالفتيات وتكريمهن أمام الإعلام لخدمة مصالحهم وليظهروا أنهم يدعمون المرأة في كافة المجالات ويحرصون على مساواتها مع الرجال وإعطائها جميع حقوقها.
ولايغفل عن مرأى العالم أن قيادة المركبات العامة كباصات النقل الداخلي تتطلب جهدا كبيرا ومشقة وبالأخص في مدينة دمشق والتي تشهد ازدحاما مروريا خانقا والذي يزيد من المعاناة انتشار العديد من حواجز النظام داخل أحيائها، غير آبهين لما قد تتعرض له الفتيات من مضايقات عناصر تلك الحواجز.
رغم أن الحاجة فرضت نفسها لإقدام الفتيات على هذه الخطوة الجريئة والتي من المفترض أن تكون عملا للرجال، إلا أننا نجد في المقابل العديد من سائقي المركبات العامة عاطلين عن العمل لأسباب عدة في مقدمتها الخوف من الاعتقال التعسفي من رجال الأمن والشبيحة المنتشرين في الطرقات بالإضافة لصعوبة تأمين المحروقات اللازمة لتشغيلها، وكعادة النظام يحاول دائما تجميل صورته أمام العالم ليبرر هذه الظاهرة بأنها دليل على الانفتاح والتطور.
المركز الصحفي السوري ـسماح خالد