يعتبر التعاون الروسي الإيراني قويًا قبل إبرام الإتفاق النووي الإيراني؛ أما بعد هذا الحدث التاريخي فقد أصبح التعاون بين البلدين أكثر قوة وتماسكًا، لكن من جهة أخرى، يمكن اعتبار أن العلاقات بين موسكو وطهران ليست متناغمة تمامًا.
وعلى سبيل المثال، لطالما أشارت الصحافة إلى المظالم الإيرانية ضد روسيا، بما في ذلك فقدان روسيا القيصرية للأراضي في أوائل القرن التاسع عشر؛ كذلك التدخلات السوفيتية في إيران في القرن العشرين، الدعم السوفييتي للانفصاليين في شمال غرب إيران بعد الحربين العالميتين، والدعم السوفييتي لبغداد خلال الحرب بين العراق وإيران.
وقد دوّن الصحفي أكبر كانجي آخر خمسة مظالم بين البلدين، وهي على التوالي: فشل روسيا في استخدام حق النقض ضد إيران بشأن القضية النووية، التأخير الطويل في الموافقة على المشروع الروسي “مفاعل بوشهر النووي”، فشل موسكو في تصدير أسلحة كانت تنوي بيعها لطهران، السعي الروسي للتدخل في سوريا والذي قد يكون في بعض الأحيان ضد إيران وعلاقات روسيا الوثيقة مع “ألد أعداء إيران”، إسرائيل والمملكة العربية السعودية.كما تعتبر إيران أن موسكو في الفترة الأخيرة ليست ملتزمة بالعمل مع طهران في المجال الأمني، على النحو الذي يرغب فيه القادة الإيرانيون، كما تحدث علي أكبر ولايتي، مستشار السياسة الخارجية للزعيم الأعلى الإيراني ووزير الخارجية الإيراني السابق، في أوائل شباط/ فبراير 2016، بعد زيارة لموسكو، عن “شروط مسبقة” لإنشاء تحالف بين إيران وروسيا وسوريا وحزب الله. إلا أنه بعد ذلك بوقت قصير، وفي بيان أصدره مسؤول في وزارة الخارجية الروسية كردّ عن تصريحات ولايتي، وصفها “بالمتضاربة”، وأعلن أنه “لا توجد خطط لخلق مثل هذا التحالف”.
ومن ناحية أخرى، هناك أيضًا حدود للتعاون الروسي الإيراني في المجال الاقتصادي؛ ففي مقابلة مع المتحدث باسم “صيانة الدستور”، علي لاريجاني، قال الأخير إن إيران لن تعطي الأولوية للاستثمار الروسي، واعترف أيضًا أن “رجال الأعمال الإيرانيين يتعاملون تقليديًا مع أوروبا”.
وفي حين أعربت روسيا والمملكة العربية السعودية على حد سواء عن استعدادهم للانضمام مع مصدري النفط الآخرين في تجميد الإنتاج من أجل دعم أسعار النفط، رفضت طهران القيام بذلك، وفي الوقت ذاته، أصرت إيران على أنها ستوسع من إنتاج النفط ليصل إلى المستويات التي كان عليها قبل فرض مجلس الأمن الدولي العقوبات ضد إيران.
وبطبيعة الأمر فإن زيادة العرض الكلي من النفط، يساهم في إبقاء أسعار النفط منخفضة لجميع الدول المصدرة للنفط، بما في ذلك روسيا، إلا أنه في المقابل تستغل إيران سوء العلاقات بين روسيا وتركيا لزيادة حجم الصادرات الإيرانية إلى روسيا.
وفيما يتعلق بالقضية السورية، تبدو موسكو أكثر حرصًا على ترتيب تسوية عن طريق التفاوض بين نظام الأسد وبعض معارضيه؛ الأمر الذي لم تبادر إيران بالقيام به، وفي حين كانت روسيا داعمة للأكراد السوريين، ومساندتهم في التوصل إلى “الحل الفيدرالي” الذي من شأنه أن تسمح لهم بالتحصل على حكم ذاتي داخل سوريا، انحازت إيران مع تركيا في معارضة هذه التطلعات الكردية، ويفسر ذلك بأن كل من تركيا وإيران، وبطبيعة الحال، وعلى حد سواء، يخشون الانفصال الكردي داخل حدودهما
وزيادة عن ذلك، وفي حين تدعم روسيا انضمام إيران إلى منظمة “شنغهاي للتعاون”، لتظهر أنها على علاقات وثيقة مع إيران، إلا أن منظمة شانغهاى للتعاون ليست تحالفًا عسكريًا ولا يمكن لأعضائها أن يدافعوا على بعضهم البعض، وفي الواقع، إذا كانت بعض التقارير تفيد بأن موسكو لطالما فضلت عضوية إيران في منظمة شنغهاي للتعاون، في حين أنه في حال حدوثه، قد يكون هذا الانضمام أكثر دلالة على دفء العلاقات الصينية الإيرانية، من تلك الروسية-الإيرانية.
وبينما تسلم موسكو أخيرًا صاروخ إس-300 (S-300) لطهران، كمؤشر على تحسن العلاقات الروسية الإيرانية، لابد من الإشارة إلى أن هذه الصواريخ ليست من أنظمة الدفاع الجوي الأكثر تقدمًا، مثل التي نشرتها روسيا لحماية قواتها في سوريا.
وأخيرًا، كرد فعل على سحب “الجزء الرئيسي” من القوات الروسية من سوريا، التمس الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين على الفور ضمانات من بوتين، تؤكد بأن هذه العملية لن تساهم في دعم إيران وحزب الله، أقوى تهديد للمصالح الإسرائيلية.
وفي هذا الإطار فإن مثل هذه الأمور تجعل طهران تتساءل ما إذا كانت موسكو قد قدمت سابقًا نفس الضمانات لإدارة نتنياهو، لجعل الوجود الروسي في سوريا أحد العوامل المساهمة في كبح جماح إيران وحزب الله وعدم اتخاذ إجراءات تضر إسرائيل.
الخلاصة
لم يؤدِ الاتفاق النووي الإيراني إلى التقارب بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية أو انخفاض التعاون الروسي-الإيراني؛ إنما ازداد التعاون الروسي-الإيراني منذ دخول الإتفاق حيز التنفيذ، ومع ذلك، فقد أظهرت موسكو وطهران إمكانية التعاون بشكل فعال من أجل إنجاح مصالح واهتمامات مشتركة، على الرغم من أن كلا الطرفين لا يباليان إذا تم اتباع سياسات لا يوافق عليها الطرف الآخر؛ عندما تتباعد مصالحهم.
ناشونال انترست – التقرير
المصالح المتباينة