ندد ناشطون وإعلاميون شيعة في جنوب لبنان بما أسموه “إمعان الثنائي؛ حركة أمل وحزب الله”، في فرض قوانين أمر واقع عليهم، وسط استمرار ما اعتبروه “خرقا لمفهوم الدولة اللبنانية”.
يأتي ذلك عقب حملة يدعمها حزب الله لإقفال محال الخمور في عدد من قرى الجنوب، وأبرزها قرية كفر رمان. وكان مناصرون لحزب الله قد بدأوا منذ عام 2012 بإحراق محال تجارية تبيع خمورا، وسط انتقادات من أوساط عدة، من بينها مسيحيون حلفاء لحزب الله.
ونشر الصحافي في جريدة النهار، إبراهيم حيدر، مؤخرا مقالا جاء فيه: “يكفي أن يقرر حزب الله من خلال أعضائه في بلدية كفر رمان، بموافقة من أعضاء حركة أمل، إقفال محال الخمور، حتى يصبح الأمر بمثابة فتوى شرعية، فترفع العرائض، وتستنفر العصبيات، وتُستفز الغرائز ضد بيع الخمور في بلدة غالبية سكانها من الطائفة الشيعية”.
وفي غضون ذلك، انتقد النائب خالد الضاهر ما اعتبره سيطرة حزب الله على مقدرات البلاد، حيث قال في مؤتمر صحافي عقده الثلاثاء، إن “الحزب يضغط علينا بالترهيب والترغيب والمال والتخويف؛ حتى يهيمن على لبنان”.
وتساءل: “كيف يكون هذا التشيع السياسي؟ عندما نجد في احتفال حزب الله العمامات السنية في المقدمة، ورجال دين مسيحيين ودروز وغيرهم، وسياسيين ومسؤولين سابقين وجمعيات، لتأييد هذا المشروع الصفوي الفارسي”، وفق قوله.
ويعد الضاهر من النواب المعارضين لحزب الله، وقد أعلن في السابق استقالته من كتلة “لبنان أولا” الموالية لرئيس الحكومة وتيار المستقبل، سعد الحريري.
حركة أمل: لا دويلات أمام الدولة
وحول هذه الانتقادات التي وجهت إلى “ثنائي أمل وحزب الله”، قال عضو كتلة التنمية والتحرير النيابية الموالية لرئيس مجلس النواب نبيه بري، النائب عبدالمجيد صالح، إن “الحديث عما تسمى الهيمنة الشيعية تراجع في الفترة الأخيرة”، مشيرا إلى أن “عودة الروح إلى المؤسسات دليل على أن الدولة هي خيار الطبقة السياسية جميعها”.
وأضاف أن “الاستحقاق الرئاسي تحقق، ما يثبت أن الاتهامات بخصوص تشكيل دويلات غير صحيح، والمجلس النيابي تفاعل مع المنجز”، لافتا إلى عقد دورة استثنائية لمناقشة قانون الانتخاب الجديد، وملف النفط والانتماء إلى الدول المصدرة له، ورأى بذلك تقاربا بين الفرقاء السياسيين.
واعتبر صالح أن “اللبنانيين يلتقطون الإشارات بشكل كبير، ويعلقون آمالا باستعادة الدولة لعافيتها، عبر انصراف السياسيين إلى خدمة المواطنين، وحل مشكلاتهم التي “تراكمت كتراكم النفايات التي شكلت للبنان أزمة كبيرة”، على حد تعبيره.
وحول إمكانية صمود هذا التوافق المستجد، قال إن “الرهان كبير على صمود لبنان بمكوناته، في ظل العاصفة التي يمر بها محيطه، وسط مخططات تقسيم المقسم، وتجزئة المجزأ”، محذرا في الوقت ذاته من أن لبنان بات “مكبّا لمشاكل المنطقة، في ظل وجود أكثر من مليوني نازح سوري وفلسطيني، ما يعني أنه يضم نصف وطن إليه”.
ودعا صالح إلى إيجاد صيغة تفاهم بين اللبنانيين تبنى على قاعدة العيش المشترك، مؤكدا على أن “التنوع والتعددية لا تفسدان في الودّ قضية”، ومعوّلا على إدراك اللبنانيين أن “الحرب الأهلية تعود بالخسارة على الجميع، ولذلك فإن خيارهم هو التلاقي على الوحدة ومواجهة الإرهاب التكفيري”.
من يبتلع الدولة في لبنان؟
من جهته، اعتبر الكاتب والمحلل السياسي شارل شرتوني، أن “المغالاة موجودة لدى أطراف سنية وشيعية، ونرى ذلك جليا في النبطية، وطرابلس، وإقليم الخروب، وصور، ومناطق عدة”، مشيرا إلى أن “وجود صدام حاصل بين الفكر الإسلامي الليبرالي والآخر المتشدد، وأن ما يحدث في الجنوب من محاولة فرض النظام بلغة الأمر الواقع، هو خروج عن منطق الدولة”.
وانتقد شرتوني ما وصفها بـ”تدخلات حزب الله في الحياة اليومية للمواطنين، والهيمنة الشيعية على الكثير من الإدارات العامة والوزارات، التي تعمق أزمة الفساد وهدر المقدرات”، لافتا إلى أن “حركة أمل وحزب الله يبتلعان الدولة”.
وقال لـ”عربي21″ إن “المسيحيين الموالين للنظام السوري وحدهم من تورط بالفساد على مستوى طائفتهم، لوجود الآخرين خارج المعادلة السياسية المسيحية”، مؤكدا أن “هناك تغييبا للولاء المدني على حساب الطوائف والنزاعات الدينية، ولذلك يغيب الانتماء للدولة التي يفترض أن تكون وسيطا ضمن نظام ديمقراطي متعاف من الأزمات والأمراض”.
وتساءل شرتوني عن “عدم تذويب المعضلة الطائفية في إطار نظام مدني يكفل لجميع المواطنين حقوقهم، بغض النظر عن انتمائهم الديني أو السياسي”، مطالبا بعدالة اجتماعية عبر الدولة “تؤمّن للمواطن المساواة في الحقوق والواجبات، وترفع عنه ضيم المحاصصة السائدة بين الأقطاب السياسية”.
العربي 21