نزحت آلاف العائلات في مدينة حلب التي تعيش أياماً سوداء بعد سيطرة قوات النظام السوري على معظم الأحياء التي كانت خاضعة لسيطرة المعارضة المسلحة، تحت خطر القذائف والقصف نحو أحياء أخرى، والتجمع في بقعة جغرافية لا تتجاوز كيلومترات عدة، كما نزحت عائلات أخرى إلى مناطق سيطرة النظام.
ويعيش النازحون في الطرفين حالة رعب من عمليات انتقامية قد تقوم بها قوات النظام، من تصفية واعتقال، وسط أنباء عن حالات إعدام ميدانية نفذتها أمس الاثنين، في حي بستان القصر.
يقول الطبيب السوري حمزة الخطيب الذي عمل في حي بستان القصر، ونزح إلى المناطق التي لا تزال تحت سيطرة المعارضة المسلحة: “شوارع قصيرة تفصلنا عن النظام، أكثر من 50 ألف مدني هم أقرب للاعتقال، متروكين لمصيرهم، جميعهم يتمنون الموت ألف مرّة على الأسر على أيدي النظام”.
ويخبرنا عبد السلام، من حلب، قبيل انقطاع اتصالنا به منذ ساعات عدة: “نزحنا صباح أمس من بستان القصر إلى المشهد. جئنا راكضين. كان القصف شديداً والقذائف تتساقط حولنا. رأينا جثثا كثيرة ملقاة في الشوارع. لم يتسنَّ لي التأكد إن كان بينهم أحياء، بقينا ساعات في الشوارع والقصف مستمر، ثم دخلنا إلى منزل عائلة لا نعرفها”.
”
“ذكّروا العالم دائماً أننا متنا لأننا لم نرضخ للديكتاتور،
وإننا أردنا الكرامة والحرية ولسنا إرهابيين”
”
ويضيف: “لا أعرف ماذا سيحدث، أشعر أننا ننتظر الموت وحسب. هناك حالة رعب شديد. النظام قريب منا. لو دخل ستحدث مجزرة كبيرة، غالباً لن ننجو منها، آلاف الناس في الشارع لا مأوى لهم ولا غذاء ولا أغطية، لا يوجد كهرباء، أسمع نداءات تطلب أطباء أو ممرضين، يبدو أن هناك جرحى لا يجدون من يداويهم”.
ويوصي عبد السلام قائلاً: “إنْ حدث هذا، ذكّروا العالم دائماً أننا متنا لأننا لم نرض أن نرضخ للديكتاتور، وإننا أردنا الكرامة والحرية ولسنا إرهابيين”.
ووصلت آلاف العائلات الهاربة من القصف إلى الجانب الآخر من حلب الواقعة تحت سيطرة النظام، وتولت فرق الهلال الأحمر إيواء عدد منهم في المدارس والمساجد، في حين توجه آخرون إلى منازل أقربائهم.
وتقول أم أحمد، متحفظة عن ذكر اسمها الكامل: “جئنا بثيابنا، لم نستطع أن نحمل شيئا معنا، نمكث في منزل أختي. مشينا من بستان القصر إلى الفيض. كان عناصر النظام منتشرين على طول الطريق. كنا نسمع وعيدهم وسبابهم. اعتقلوا بعض الشبان ممن كانت ذقونهم طويلة”.
وتتابع: “لدي شابان وثلاث فتيات، لا نعلم ماذا ينتظرنا هنا، وما الذي يخبئه النظام لنا. ولداي يخافان الخروج من المنزل، فهما لا يملكان بطاقة هوية شخصية مستخرجة من مؤسسات النظام. أكثر ما نخافه هو عمليات الانتقام”.
وتمر على محمد، وهو لاجئ سوري يعيش في ألمانيا، ساعات عصيبة بعد أن فقد الاتصال مع أفراد أسرته في حلب الشرقية. ويقول: “آخر ما وصلني منهم أول من أمس رسالة مليئة بالخوف من القصف، كانوا مجتمعين في قبو البناء جميعاً، قالوا لي نريد أن نموت معاً أو نحيا معاً، وانقطع الاتصال، لم أستطع التواصل مع أي شخص أعرفه في حلب. والداي مسنان، وأبي مريض بالقلب، أخي لديه ثلاثة أطفال صغار، ربما أعدموا، أو قصفوا، أو هربوا إلى مناطق النظام أو اختبأوا، لا يمكنني التفكير بأي احتمال”.
”
“جئنا بثيابنا، مشينا من بستان القصر إلى الفيض،
كان عناصر النظام منتشرين على طول الطريق،
كنا نسمع وعيدهم.
اعتقلوا بعض الشبان ممن كانت ذقونهم طويلة”
”
أما الناشط السوري، ريان ريان، فيقول: “أكد لي من استطعت التواصل معهم في مدينة حلب أنهم شهدوا إعدامات ميدانية نفذتها عناصر النظام بحق رجال في حي بستان القصر. هناك أنباء عن تصفية جرحى في إحدى النقاط الطبية في الحي، لم يتسن لنا حتى الآن التأكد منها، أو توثيق الأسماء بسبب انقطاع الاتصالات”.
مديرية الدفاع المدني في حلب أكدت عدم قدرتها على إحصاء أعداد الضحايا في المدينة، مشيرة إلى أن الجثث تملأ الشوارع، وأن القصف لا يزال مستمراً.
كما أعلن عدد من المنظمات الإغاثية ومنظمات المجتمع المدني، أمس، عن توقيف عملها احتجاجاً على تدهور الأوضاع الإنسانية في حلب، وعدم قدرتها على الوصول إلى المنكوبين هناك.
مقابل ذلك، يعمل ناشطون سوريون يعيشون في الخارج على تنظيم احتجاجات واعتصامات في دول أوروبية عدة للضغط باتجاه إيقاف المذبحة في حلب.
ويوضح جهاد، وهو ناشط سوري يعيش في باريس، ويشارك في تنظيم اعتصامات مدنية من أجل حلب “نعمل بكل الطرق المتاحة، من خلال وسائل الإعلام والمنظمات الإنسانية والحقوقية على إيصال صوت المنكوبين. أطلقنا مئات النداءات الإنسانية ولم يستجب أحد من صناع القرار. كل ما يريده أهالي حلب هو فتح ممرات آمنة مدة 24 ساعة نحو ريف حلب، أو أي من المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري حتى لا يتم اعتقالهم، أو التنكيل بهم كما حدث لغيرهم”.
العربي الجديد