بقلم الكاتب محمد فخري جلبي
في ظل التآمرات الشديدة التي نلامسها بشكل يومي في أوطاننا العربية عبر منظومة واسعة من المثقفين وأنصافهم والمحلليين السياسيين وأتباعهم التابعين لأنظمة دكتاتورية ( عربية ) متعاقدة مع الدول الكبرى، والتي من شأنها ( المنظومة) خلق شعور عام من الضعف واللامبالاة لدى المواطن العربي تجاه سيرورة الأحداث المحيطة به ممايدفعه وبشكل لاأرادي إلى عدم الاهتمام بدورة عجلة الأحداث والانغماس في حالة من التخبط تجاه التحديات الكبرى المرسومة بعناية في مطابخ الدول الكبرى بحق الوطن العربي.
وقد مارست تلك الدول الاستعمارية دورها المعهود، بتأجيج الصراعات وإغلاق نوافذ الحل وزرع الألغام في أرضية الحوار العربي العربي وقامت بتوظيف عملائها ( العرب) وسخرت منصاتها الإعلامية الضخمة من أجل الوصول إلى تلك المرحلة المتردية التي وصلت إليها الشعوب العربية دون إدراك تلك الجماهير ببدء الرحلة وتوقفها !!
وبأسلوب آخر يحمل المواطن العربي كل الهواجس غير المتعلقة بمستقبل الوطن الكبير جراء الممارسات الشيطانية لتلك الدول ورجالاتهم في الوطن العربي، وكما يبدو بأن تلك البذور (المستوردة) قد أثمرت وتؤتي أكلها.
ومما يزيد من صعوبة الموقف أمام ولادة صحوة عربية هو اصطفاف الجماهير العربية تحت مظلة الكراهية العربية تجاه الدول العربية الأخرى، وتحويل الصراع العربي الإسرائيلي إلى صراع ثانوي يمكن تأجليه إلى حين الانتهاء من الصراعات الداخلية خاصة في ضوء تشرذم الدول العربية وتشكل تحالفات ترفع شعار التطبيع مع أسرائيل مقابل الحصول على المساعدة في وجه العدو العربي !!
وكل ماسبق يثير جملة من التساؤلات حول مستقبل الوطن العربي وكيفية معالجة ارتجال الجماهير الغفيرة خطابا سطحيا لايتلاءم مع خطورة المشهد العام، وماهي الخطوات المستعجلة لإنقاذ ماتبقى من كرامة المواطن العربي ومن يملك الشجاعة للحديث عن تلك الخطوات قبل القيام بها ؟؟
وعبر رحلة التناقضات العربية في ضوء أنتشار قوات الدول الكبرى ضمن مساحات الوطن العربي، حصرت الجماهير العربية خياراتها بأتفه الأمور هربا من دائرة الحرائق ( العربية) المشتعلة على بضع مئات الكيلومترات من أماكن تواجدهم غافلين عن نتيجة بديهية بأن الحرائق لاتنطفىء مادام رجل الإطفاء الغربي عازما على انتشارها إلى عمق الوطن العربي.
وعلى سبيل المثال، تضج منابر الأخبار العربية ومواقع التواصل الاجتماعي بسرد أحداث المباريات الرياضية والمسابقات الغنائية والجري خلف المقاطع الجنسية ضمن سياسة النأي بالنفس !! متجاوزين حافة الانهيار التي نقف على أطرافها تحت رحمة الأقدار دون الشعور بتأنيب الضمير وبرد فعل ملموس يمنح الجناة صك غفران من الدرجة الأولى.
فحالة التردي العربي ليست مجرد مشكلة عابرة ( سحابة صيف ) بل هي مرحلة غير قابلة للطي والتجاوز، وإن أستمرت الأمور على هذا المنوال سيشهد الوطن العربي سيناريوهات أستعمار تناسب أذواق ومطامع الدول الكبرى.
وللأسف الشديد بأن هذا المشهد المظلم لن يأخذ حيزا من التغطية الإعلامية ” العربية ” وفقا لسياسات تلك الجهات المترتبطة بأجندات الدول الكبرى.
وكان لابد من هذه المقدمة الطويلة قبل البدء بهذا المقال بعد أن وصلت الأحداث إلى نقطة أفاضت الكأس العربي !!
ومما لاشك به، لم تعد مشاهد الدمار في الأقطار العربية تثير أحاسيس التعاطف أو هواجس الخوف على أبعد تقدير حول اقتراب ساعة الأجل، بل لقد أصبحت نشرات الأخبار المتعلقة بأحداث دهس الصهاينة لبضع مواطنين فلسطينين زقاقية الطراز، والحديث عن القضاء على تنظيم داعش في مقره الرئيسي في الموصل مجرد ترهات، واقتسام الجزء الجنوبي من الأراضي السورية ليتم ضمه إلى الكيان الصهيوني برعاية واشنطن تفاهات لاجدوى من الحديث عنها، وذلك برد فعل مباشر من الجماهير العربية بأننا نتآكل ونتقدم إلى الخلف ولاعلاج لتلك المعضلة.
ولكي نقوم بإسقاط الرؤية النظرية في أحضان الأحداث الجارية ينبغي بنا تقديم مثالين
عن خبرين تم تدوالهما اليوم في مواقع الأخبار العربية.
الخبر الأول : ربطت دراسة بريطانية حديثة بين السمنة المفرطة في مرحلة الطفولة، وإصابة الأطفال بآلام رأس عظمة الفخذ أو الورك المزمنة التي تحتاج لتدخل جراحي في أغلب الأحيان، خبر طبي من شأنه أن يجذب كافة شرائح الجماهير العربية، حتى أولئك العازفين عن الزواج، ولاضرار في ذلك.
الخبر الثاني : رفضت #المحكمة العليا في #لندن، الإثنين، طلب نشطاء بوقف #بريطانيا صفقة بيع أسلحة للمملكة العربية #السعودية بعدة مليارات من الجنيهات.
ومابين الخبرين، يشي توجه المواطن العربي نحو الخبر الأول عن حالة وعي مطلق حول ضرورة الإحاطة بآخر ماتوصل إليه الأطباء في شتى المجالات، كما يفضح مرور المواطن العربي بجانب الخبر الثاني عن حالة لايمكن وصفها سوى بعدم الاتزان وفقدان الوعي والبصيرة، وهذا مايمثل بحد ذاته انتصارا لتلك القوى الظلامية.
وتعقيبا على الخبر الثاني مع التنويه بأن بريطانيا هي المسؤولة عن ملف النزاع السعودي اليمني في مجلس الأمن !! ففي نوفمبر/تشرين الثاني 2016، رفض وزير الخارجية البريطاني، بوريس جونسون، و3 وزراء بريطانيون آخرون، وقف بيع الأسلحة إلى السعودية، رافضين ما دعت له لجنتان بالبرلمان البريطاني مؤخراً بخصوص وقف الدعم العسكري للرياض ، في بادرة واضحة برغية الطرف المصنع بديمومة الخرب الدائرة بين الفريقين.
كما وسعت الحملة المناهضة لبيع الأسلحة البريطانية لاستصدار أمر بإلغاء تراخيص تصدير قنابل ومقاتلات وذخائر بريطانية الصنع، ليقابل المشروع رفض من المحكمة العليا في لندن، تزامنا مع صدور بيان مشترك أصدره وزير الخارجية البريطاني “جونسون ” مع وزير الدفاع مايكل فالون، ووزيرة التنمية بريتي باتيل، ووزير التجارة ليام فوكس، ونقلته صحيفة “التليغراف” البريطانية واصفة إياه بأنه “غير مسبوق”، فقد أكد الوزراء على إلتزامهم بمواصلة مبيعات الأسلحة إلى الرياض.
ولسنا هنا لتوجيه أصابع الاتهام للرياض أو عدمه، ولكن الأمر يتعلق بتسليم ملف النزاع لمورد الأسلحة لتلك الحرب الضروس والتي أنهكت معظم الدول المشاركة بها.
وكالعادة في مثل هذه الفضائح الغربية يأتي الرد الأممي متلائما مع توجهات تلك الدول، حيث قالت منظمة العفو الدولية إن رفض المحكمة العليا في لندن دعوى قضائية طالبت بوقف تصدير الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية يُعدّ نكسة قد تكون قاتلة بالنسبة للمدنيين اليمنيين.
وكانت منظمات حقوقية دولية، منها منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش ومنظمة رصد حقوق الإنسان، رفعت مذكرات إلى المحكمة أثناء المراجعة القضائية لصفقة بيع الأسلحة البريطانية إلى السعودية، دون حديث تلك المنظمات عن إمكانية محاكمة بريطانيا أو تصعيد لهجة الاتهامات بحقها، مما يعكس دور تلك المنظمات بالتواطؤ مع مشاريع تلك الدول الأستعمارية، كما يعد تصرف تلك المنظمات تناقضا صارخا مع مضمون إنشاء تلك الهيئات الحقوقية !!
وضمن ذات السياق، قالت حملة “وقف بيع الأسلحة” -التي رفعت القضية أمام المحكمة- إنها ستستأنف الحكم. وقال عضو الحملة أندرو سميث “إذا تم تأييد هذا الحكم فسيعتبر هذا بمثابة ضوء أخضر للحكومة لتواصل تسليح ودعم الدكتاتوريات الوحشية ومنتهكي حقوق الإنسان مثل السعودية التي أظهرت تجاهلا صارخا للقانون الدولي الإنساني”. وترى الحملة أن بريطانيا خالفت القوانين الإنسانية ” .
والسؤال المطروح هنا مع الابتعاد عن دائرة حقيقة تورط الرياض يقتل المدينين !!
هل ستدعو الدول الغربية التي تنادي بضرورة وقف الصراعات في العالم العربي إلى عقد جلسة طارئة في مجلس الأمن لمحاسبة لندن على دورها الرئيسي بدفع المشهد السعودي اليمني نحو مزيدا من اللاتوزان والأستمرارية ؟؟
وضمن إطار النفاق الغربي بالتعاطي مع الملفات العربية، يتواصل عرض مسلسل التفاوض العبثي بين المعارضة السورية والنظام الأسدي ( المجرم )، تزامنا مع رغبة الدول الكبرى بأطالة عمر الأزمة إلى مالانهاية، فالدول الكبرى لاتستبق قطف الثمار !!
ولمن فاته مشاهدة حلقات المسلسل الكوميدي في الأستانا عبر محطتها الخامسة يمكنه متابعة الأحداث عبر شاشة جنيف من خلال الموجة السابعة، فالسيناريو الموضوع لتلك الاجتماعات يفضي إلى ذات النتيجة !!
وإلى ذلك، يمارس بطل المسلسل ستيفان دي ميستورا المبعوث الأممي إلى سوريا بأداء دوره الممل بإتقان .
فقد صرح دي ميستورا الإثنين خلال مؤتمر صحافي في #جنيف، إن الظروف الآن مهيأة لتحقيق تقدم لإنهاء الحرب في #سوريا، وأثنى المبعوث الأممي على الاتفاق ووصفه بـ”تقدم مهم ونقطة فارقة في الأزمة السورية”. وأضاف “بوسعنا أن نقول إننا نعتقد أن الأتفاق أمامه فرصة جيدة جدا للنجاح !!!
وبالنسبة للمتابعين لأحداث المسلسل السوري يمكنهم الرد على تصريحات دي ميستورا والتي تعتبر نسخة طبق الأصل عن تلك الصادرة عنه خلال المشاهد الأولى في جنيف 1 !!
وفي حين تواظب الشعوب العربية على تصديق أكاذيب الدول الكبرى تستمر تلك الدول بممارسة الخداع مرة بعد مرة، فهم يكذبون ونحن نعلم بأنهم يكذبون ولكننا مازلنا نصدقهم !!
فقد أكد الرئيس الأميركي #دونالد ترمب، الأحد، أن الوقت قد حان للعمل “بشكل بناء” مع #موسكو، قائلا إن نظيره الروسي #فلاديمير بوتين “نفى بشدة” التدخل في #انتخابات عام 2016 ، وقبل عدة أسابيع صرح رينس بريبوس الذي اختاره دونالد ترامب لمنصب كبير العاملين في البيت الأبيض، إن “ترامب قبل ما خلصت إليه الاستخبارات الأمريكية عن تورط روسيا في هجمات إلكترونية تستهدف التأثير على الأنتخابات”، مضيفًا أن “إجراءات قد تتخذ قريبًا ردًا على ذلك ” . وكانت تلك الإجراءات عبارة عن بدء مشروع صداقة علني بين واشنطن وموسكو ضد العرب !!
كما قالت واشنطن بوست إن وقف إطلاق النار بجنوب غرب سوريا يُعتبر اختبارا مبكرا لعلاقة الصداقة بين الرئيسين الأميركي دونالد ترمب والروسي فلاديمير بوتين، كما أنه يمثل المرة الأولى التي تتعاون فيها إدارة ترمب مع روسيا في أزمة دولية.
على الرغم من أن التحقيقات الجارية حول علاقة إدراة ترامب بجهات روسية خلال الانتخابات قد توصلت إلى الكشف عن علاقة وطيدة بين الطرفين منذ فترات طويلة.
ولكي نزيل الشك باليقين حول صحة توافق الموقف الروسي والأمريكي حول جميع القضايا العالمية، وذلك دون الالتفات للضجيج الإعلامي المفبرك عن إمكانية تصادم الطرفين توازيا مع اختلاف الآراء حول الأزمة السورية، فلنأخذ تصريح لافروف والذي لايترك للشك موضع قدم !! حيث صرح لافروف أن روسيا على اتصال دائم مع مسؤولين أميركيين بشأن الصراع في سوريا، وتأمل في التوصل إلى اتفاقيات لوقف إطلاق النار في أجزاء أخرى من البلاد.
ويعد ظهور العلاقة الحميمية بين موسكو والكرملين إلى السطح بصورة مفاجئة عكس جميع التوقعات وذلك ربطا بالاتهامات المتبادلة بين الطرفين في الفترات الماضية ضربة موجعة للحلف العربي الذي يعول على مواقف واشنطن أمام أطماع الدب الروسي في الوطن العربي ، وبينما العاشقين يمارسون الحب في شهر العسل يزعم العرب بأن الطلاق بينهما مسألة وقت لاأكثر !!
وقد ظهرت النتائج المتوقعة بالنسبة للاتفاق الأخير حول مناطق تخفيف الصراع من خلال تعنت النظام السوري بخرق الهدنة بدءا من الساعات الأولى لتطبيقها مما يشكل ردا واضحا لمزاعم دي ميستورا بقرب انتهاء الأزمة السورية !!
حيث سُجلت أربعة خروق لـ وقف إطلاق النار في جنوب سوريا ارتكبتها قوات النظام منذ دخول الاتفاق الثلاثي (بين روسيا وأميركا والأردن) حيز التنفيذ، وذلك في مناطق جنوبي سوريا في محافظة درعا والقنيطرة والريف الشمالي الشرقي من مدينة السويداء .
عزيزي القارىء، في الوقت الذي تمارس فيه حياتك الطبيعية بشكل روتيني وتتعمد الابتعاد عن الغوص في نشرات الأخبار المملة، تمارس الدول الكبرى عبر أذرعها في الوطن العربي المساهمة في خلق ظروف تفضي إلى أنسداد الأفق السياسي، بل أن تلك القوى الأستعمارية تمكنت من خلال عدة عوامل من صياغة خريطة المواقف والأفكار التي تتحكم بردات فعلك المستقبلية، وأعتقد الأن يمكنك تفسير الدافع الرئيسي خلف عنونة المقال بتلك الكلمات !! فقد راهنت على طريقة تفكيرك وتمكنت من جعلك ترافقني إلى المحطة الأخيرة.