السوريون اللاجئون في لبنان يواجهون ظروفا غير إنسانية، سواء كانوا أحياء أو امواتاً.
في مايو أيار، والد أحد معارفي السوريين توفي في بيروت، حيث فرت الأسرة من حلب بعد وقت قصير من بداية الحرب في سوريا. وعلاوة على الحزن و ملازمة الأم المكلومة، كان على “حسن” أن يرتب موقعاً لدفن والده.
من المعروف أن الحياة في لبنان صعبة على اللاجئين السوريين الذين كان عليهم التعامل مع التمييز والعنف، الشتاء القاتل، حظر التجول المتقطع المخصص للسوريين، التقلبات و القواعد الغامضة، بما في ذلك المتطلبات الغير واقعية التي يدفع الفقراء اللاجئين من أجلها المال مع عدم وجود دخل للحصول على وثيقة يعدون بموجبها انهم لن يعملوا، لكن الموت في لبنان يشكل مشكلة أخرى تماماً.
مستفسراً عن واحدة من أهم مقابر بيروت بالقرب من منطقة بدارو، قال حارس أمن لحسن أن “التبرع” بما لا يقل عن 10.000 دولار كان ضرورياً لتسهيل الموافقة على عملية الدفن.
إذا كان يبحث عن خيار أرخص-قال الحارس- تبرعات أقل مقبولة في “المقبرة الفلسطينية” المجاورة. على ما يبدو المقبرة المشار إليها تستند إلى حقيقة أنها تستضيف بقايا العديد من لمقاتلين الفلسطينيين من فترة الحرب الأهلية.
جولة سريعة على تلك المقبرة تركت الشك يتسلل الى حسن، مع ذلك فإن نسبة الخصم الذي حصل عليه قد يكون نتيجة الممارسات الجزئية المزيفة لمتعهدي الدفن، مثل نبش القبور او إعادة بيعها
في النهاية، تحصيل موقع للقبر كان عناء أقل بكثير لحسن وعائلته – تعدّ عائلته من العائلات الغنية التي فرّت من سوريا – من غالبية السوريين في لبنان.
ظاهرة الـ 10.000 دولار -الحد الأدنى للتبرع- فريدة من نوعها في العاصمة اللبنانية، حيث الطبيعة المربحة لصناعة الدفن لها علاقة بحقيقة أنه لا يوجد هناك ببساطة مساحة كبيرة شاغرة وملموسة. بالطبع العائلات البيروتية التي نظمت مقابرها منذ فترة طويلة لا تخضع لهذه الرسوم.
ولكن حتى في المناطق النائية من البلاد حيث ربحية الموت ليست عالية جداً، تكاليف الدفن في كثير من الأحيان لا تزال خارج إمكانية اللاجئين السوريين.
قطعة أرض مع تسعيرة $ 300، على سبيل المثال، هو ما يعادلها من مال البقالة عن سنتين تقريبا للعديد من اللاجئين الذين يعيشون في خيام مؤقتة شيدت من البلاستيك و الأقمشة ولافتات الإعلان.
كما لاحظت منظمة العفو الدولية العام الماضي، ” يتلقى اللاجئون السوريون في لبنان فقط $ 13.50 شهرياً، أو أقل من نصف الدولار باليوم الواحد من أجل المساعدة الغذائية”.
في أكتوبر 2015، زرت اثنتين من مستوطنات خيام اللاجئين في لبنان في البقاع، بالقرب من الحدود السورية. هناك، تحدث السكان عن المشقة وعدم القدرة على الموت في المنزل.
أحد الرجال، على سبيل المثال، مؤخرا كان عليه ان يجد أرضاً لدفن والده الذي لقي حتفه على جانب الطريق بينما كان في طريقه لشراء البطاطا. ووصف مشهداً مهيناً أجبر من خلاله على القيام بجولات محلية للشيوخ و تسول مساحة قليلة من التراب لمواراة جسد والده.وقد وافق احد الشيوخ في نهاية المطاف.
العديد من اللاجئين، غير قادرين على تحديد موقع، أو تحمل كلفة القبور الموثقة لذويهم، وقد بدؤوا بدفنهم بشكل سري تحت جنح الليل.
رسالة حديثة من فرانس برس بعنوان “من أجل السوريين في لبنان، لا مأوى في الحياة أو الموت” في الوقت نفسه تروي التجارب الدنيوية لزوجين شابين سوريين من اللاجئين فقدا ثلاثة رضع على التوالي في لبنان، و توجب عليهما السعي لتوفير قبور للأجساد الصغيرة التي كانت أعمارهم لا تزيد عن ثلاثة أشهر، خمسة أيام، و ساعتين، على التوالي.
الجثة الثانية الأصغر انتهى بها المطاف ليتم ادخالها في قبر الجثة الأولى، في حين تم دفن الجثة الثالثة في مكان منفصل.
يشير تقرير فرانس برس الى أنه، وفقا للسلطات اللبنانية والمنظمات الدولية فإن “معدلات الوفيات بين اللاجئين السوريين أعلى بكثير من السكان المحليين” بسبب التعرض الغير متناسب للمحيط والمرض، وهذا لا يعني أن الحياة سهلة بالنسبة “للسكان المحليين” ككل، والتي تعاني في بعض المناطق من ارتفاع غير عادي بمعدلات الفقر بفضل السياسات الأقل -من حميدة- التي تنتهجها النخبة الحاكمة.
اقتباسات فرانس برس عن احد الشيوخ المحليين المتعاطفين في وادي البقاع “يقول انه وزملاؤه من البقاع حاولوا البحث عن أرض لتحويلها لمقبرة خصيصا للسوريين، ولكن لم يبعهم أحد، فإذا كان المتر المربع ب $ 10، أصبح ب $ 50 حالما علموا ان الأرض ستصبح مقبرة”
بالطبع، لبنان أبعد ما يكون من المكان الوحيد على هذه الأرض لوضع سعر ضخم ل دفن كريم، في كثير من الدول الغربية، الكرامة الممنوحة للجثث تتمتع بعلاقة مباشرة مع عمق جيب الجثة السابق أو جيوب أفراد الأسرة الأحياء.
الفجوة الاجتماعية الاقتصادية التي تم إضفاء الطابع المؤسساتي بشكل تأديبي عليها في الحياة، بإمكانك القول، أيضا نجت بالعبور إلى الجانب الآخر، لكن في أي حال، يمكننا بأمان استنتاج أن الأرض التي تواجه اللاجئين السوريين في لبنان تماما تم إزالة الإنسانية منها؛ سواء كان اللاجئين أحياء أو اموات.
ميدل إيست آي: ترجمة عبدالله ضباب- السوري الجديد