واقع الألم والمعاناة ليس بعيداً عن المدنيين في الرقة وريفها الغربي، حيث يستمر نزوح الآلاف مع استمرار الحملة العسكرية التي تشنها ما يعرف بقوات سوريا الديمقراطية، للوهلة الأولى تبدو مشاهد النزوح ما يشبه سباق الجري الذي اعتادت شاشات التلفاز أن تعرضه في مشاهد الرياضة، أما اليوم فهو مشهد مبك ومحزن ومثير للشفقة كونه هرباً من الموت ومن ضربات طيران التحالف الدولية على الرقة وريفها، والذي يتسم بقوة استهدافه وشدة ضرباته.
غياب تام للجهود الإنسانية المحلية والدولية أمام هؤلاء المدنيين المهجرين قسراً والتي تقطعت بهم السبل في مناطق مقفرة لا توجد فيها أي خدمات، إنما اقتصرت أمور الرعاية فيها على أفراد بادروا بدافع خيري لتقديم ما يستطيعون من المساعدات.
مع سعي قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الحليف المؤثر “التحالف الدولي” إلى تقطيع أوصال مناطق “تنظيم الدولة الإسلامية” قبل بدأ معركة السيطرة عليها والتي يعتبرونها تحريرية، تقول مصادر محلية أن نحو 200 قتيل وعشرات الجرحى كانوا حصيلة طيران التحالف الأسبوع الماضي فقط، على قرى المنصورة وقرطبة والمناطق الواقعة بين مدينتي الطبقة والرقة، أما عن الهاربين من نيران القصف لا توجد تقديرات دقيقة تشير لأعدادهم.
والمقلق والمحزن في آن واحد أن المناطق التي يفرّ إليها المدنيون العزل ما هي إلى مناطق أخرى تقع تحت سيطرة التنظيم أيضاً؛ مما يجعلهم عرضة لنزوح آخر مع استمرار معركة التحرير التي أطلق عليها اسم “غضب الفرات”.
أما عن وضع سد الفرات المهدد بالانهيار بعد استهداف غرفة العمليات فيه وانقطاع الكهرباء عنه والذي يشكل أيضاَ عامل تخوف ونزوح من نوع آخر هرباً من الغرق الأمر الذي لم يذقه السوريون بعد سلسة حافلة من أساليب القتل والتدمير التي تواجه في كل لحظة
لربما الأضرار اللاحقة لا تلقى التهديد حقيقي حت الآن لكن لا بد في الوقت عينه التنبه لضرورة الحساسية وخطورة “سد الفرات” الذي يحتجز خلفه بحيرة تختزن ما يقارب 14 مليار متر مكعب من المياه، وفي حال انهيار السدّ فعلاً يعني زوال مدن وبلدات بكاملها في سوريا والعراق معاً.
ربما التقدم الاستراتيجي اليوم الواضح للولايات المتحدة الأمريكية جعلها لاعباً رئيسياً في القضية السورية، بعد سيطرة التحالف الدولي وقطعها الطريق أمام النظام وسيطرتها على السد ومطار الطبقة لمنع تقدمها باتجاه الرقة، بعد أن انفردت موسكو بهذا الدور لسنوات طوال.
أما التقدم الذي لم يتغير مساره منذ بداية الثورة السورية حتى الآن، هو الهجرة والمآزق التي تلاحق مدنيو سوريا أينما رحلوا فهم على الدوام داخل دائرة “رحى الحرب وفكي الكماشة”.
المركز الصحفي السوري – بيان الأحمد