ظهرت أدلة حديثة عن كيفية إجبار الجوع للسوريين على أكل الأعشاب للبقاء احياء وذلك مع تحدي نظام الرئيس بشار الأسد للأمم المتحدة وتشديد الحصار على مناطق منتشرة في جميع أنحاء سوريا.
تقول وكالات الإغاثة الدولية إن النظام يستخدم المساعدات الإنسانية – التي يفترض أن تقدم للمدنيين دون قيود وفقا للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة- كورقة للمساومة.
يدعي عمال الإغاثة إن الأزمة انتشرت إلى ما هو أبعد من بلدة مضايا, شمال غرب دمشق, حيث تسببت صور الأطفال الذين يعتريهم الهزال الشديد بغضب دولي بداية هذا الشهر.
أورد عمر حكيم, وهو طبيب في العاصمة السورية نفس مشاهدات الرعب هذه في بلدة المعضمية جنوب شرق العاصمة هذا الأسبوع.
وقال للصانداي تلغراف :” 12 شخصا ماتو الأسبوع الماضي, 6 منهم أطفال. هناك 1500 مريض يعانون من أمراض مزمنة تتطلب رعاية صحية غير متوفرة. 600 طفل بحاجة إلى الرضاعة الطبيعية ولكن أمهاتهم لا تستطيع ذلك لأنهم يعانون من سوء التغذية أيضا. الناس يأكلون العشب, والأرز إن توفر. المساعدات التي يتم إرسالها غير كافية لإبقاء الناس على قيد الحياة”.
استخدم الحصار كسلاح منذ بداية الحرب, ولكن الوضع ازداد سوء في الأسابيع الأخيرة.
قال عمال الإغاثة في الأمم المتحدة الذين رافقوا القافلة إلى بلدة مضايا قبل أسبوعين بأن الظروف التي شهدوها هي الأسوأ في هذه الحرب. منذ ذلك الوقت وسكان مضايا يموتون.
جاء في بيان صدر عن وكالة الأمم المتحدة للطفولة :” تشعر اليونيسف بالحزن والصدمة لأنها شهدت وفاة علي, المصاب بسوء التعذية والذي يبلغ ال 16 من عمر الذي توفي في عيادة البلدة أمام أعيننا”.
يبلغ عدد سكان البلدة حوالي 42000 نسمة, ولكن الأمم المتحدة تقول إن حوالي 400000 شخصا في سوريا يعيشون تحت الحصار, وأكثر من أربعة ملايين يعيشون في مناطق يصعب الوصول إليها. حتى هذه التقديرات القاتمة, تعرضت للنقد لأنها قللت أعداد المحاصرين عمدا لاسترضاء النظام.
مضايا لم تكن مدرجة على قائمة المناطق المحاصرة أصلا, على الرغم من الظروف التي تعاني منها. تقدر كالات الإغاثة أن العدد الكلي للأشخاص المحاصرين والمحرومون من المساعدات بهذه الطريقة بأكثر من مليون شخص.
خطط الأمم المتحدة الإنسانية لسوريا, التي سربت الأسبوع الماضي, تذكر أيضا بأن الأمم المتحدة فرضت رقابة على نفسها من خلال شطبها لكلمات من قبيل “حصار” و “محاصر” وذلك عند المقارنة بين مسودة الخطة والنسخة الأخيرة منها.
كما أن الخطة كانت حذرة أيضا في ذكر أن المناطق لا تقع تحت حصار النظام فقط, وإنما هناك الدولة الإسلامية والمتمردون الآخرون. مع أن الغالبية العظمى من المناطق – حوالي 49 منطقة من أصل 52- التي تقع تحت سيطرة المتمردين المعتدلين تخضع لحصار النظام.
تقول منظمة كير إنها تعمل الآن على الحصول على كمية كبيرة من المساعدات لإدخالها إلى المناطق التي تعرضت لهجمات النظام قبل الدخول في الحصار الأخير.
يقول أبو فارس, وهو متطوع سوري يستخدم شبكات محلية من الاتصالات للحصول على الطعام والمساعدات الأخرى التي تقدمها المنظمة وإدخالها إلى المناطق المحاصرة في محافظة حمص :” علينا أن نملأ المستودعات تحسبا لإغلاق الطرق, لدى الناس فرصة في النجاة هنا طالما استطاع المجتمع الدولي أخذ النظام إلى المفاوضات”. يقول أبو فارس إن هناك 300000 شخص معرضون للخطر في حمص وحدها.
تتهم منظمة كير النظام باستغلال الوضع من أجل الوصول إلى نتائج عسكرية, خاصة قبل محادثات السلام المزمع عقدها هذا الأسبوع.
يقول غاريث بايس جونز مدير السياسة الإنسانية في المنظمة :” هدفهم هو تعظيم مكاسبهم العسكرية قبل بداية هذه المفاوضات”.
قرار الأمم المتحدة الذي تم تمريره الشهر الماضي, والذي حظي بدعم أقوى حلفاء النظام, روسيا, ذكر بأنه يجب إيصال المساعدات دون أي شروط. ولكن لا زال يتعين على مسئولي الأمم المتحدة التفاوض مع النظام قبل إدخال المساعدات.
تقول الأمم المتحدة بأنه من بين 113 محاولة لإدخال المساعدات العام الماضي, لم يتم الرد على 80 طلب منها.
تقول آشلي براود من منظمة ميرسي كور :” لقد شهدنا حالات تشديد أكثر قسوة في المناطق المحاصرة قبيل مفاوضات السلام”.
أكثر الصور الصادمة إيلاما ظهرت في الآونة الأخيرة عندما خرج آلاف الناس لتحية قوافل الإغاثة في مخيم اليرموك, وهو ضاحية من ضواحي دمشق شهد قتالا شرسا.
منذ ذلك الحين, انتشرت صور الناس الذين يقتلون الحيوانات الأليفة والقطط ويغلون العشب للبقاء على قيد الحياة وتكررت في مناطق أخرى.
كما يشير عمال الإغاثة إلى أن صور الفوضى والمجاعة في بلدات مثل مضايا تقدم خدمة مفيدة لدعاية النظام, لأن ذلك من شأنه تسليط الضوء على الحياة في المناطق التي يسيطر عليها المتمردون بالمقارنة مع الحياة الطبيعية في المناطق الحكومية.
يقول أبو فارس :” إنها سياسة ممنهجة في تطبيق العقوبة الجماعية. يمكن للنظام أن يعيد ما حدث في مضايا في أي وقت يريده, ومع ذلك يظل يحظى بالشرعية”.
أشارت السيدة براود إلى أن دخول المساعدات في إلى مضايا لم يتم السماح به إلا بعد اتفاقية التهدئة التي ضمنت استسلام بلدة الزبداني المجاورة التي يسيطر عليها النظام.
كان من المقرر عقد محادثات السلام يوم الاثنين, ,لكنها أجلت بسبب الخلاف على من يجب أن يمثل المتمردين.
يطالب كلا من روسيا والنظام بأن يتم إدراج جماعات إضافية إلى فريق مفاوضات المعارضة, بمن فيهم حزب البي واي دي الكردي, ولكن المتحدثين باسم المعارضة يقولون إن دمشق تتلاعب بالوقت فقط وتسعى إلى تحقيق المزيد من المكاسب قبل الموافقة على التفاوض.
استعاد النظام عددا من المناطق في اللاذقية في الشمال الغربي وفي درعا, قرب الحدود الأردنية, خلال الأسبوعين الماضيين.
تقول سونجا ماير, من منظمة كير :” العلاقة بين المفاوضات السياسية والمساعدات الإنسانية خطيرة جدا. إننا نشاهد صورا لأشخاص يتضورون جوعا في مضايا. والعالم ينظر إلى المدينة كما لو أنها حالة مؤسفة واحدة فقط, ولكن ذلك يتكرر في العديد من المناطق في جميع أنحاء سوريا”.
دايلي تلغراف