تقلق نشاطات إيران في الشرق الأوسط الولايات المتحدة وحلفاءها من الدول العربية، لا سيما مع وجود أذرع عسكرية إيرانية في كل من العراق وسوريا أبرزها “حزب الله” اللبناني.
وفي الوقت الذي جرى فيه الحديث عن تشكيل مناطق لـ”تخفيف التصعيد” في سوريا بموجب اتفاق روسي تركي إيراني وقع في 4 مايو/أيار الجاري في مباحثات “أستانا4″، فإن الحديث عن تصعيد الهجمات الإسرائيلية على ما قالت إنها مخازن أسلحة إيرانية في سوريا جار شحنها إلى حزب الله اللبناني قد تراجعت، وفق تقرير لصحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية، الخميس 11 مايو/أيار 2017.
وكانت إسرائيل قد صعدت من ضرباتها الجوية في الأشهر الستة الأخيرة على مواقع لـ”حزب الله” في سوريا، وسط تحذيرات من اندلاع حرب جديدة بين إسرائيل والحزب.
الاتفاق النووي
وترى الصحيفة البريطانية أن الوضع الجيوسياسي والإطار الإقليمي في الشرق الأوسط لهذا التصعيد الحالي لا يبشر بالخير.
وتشير إلى أنه رغم عداوة كل من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب وإسرائيل لإيران، إلا أن الجانبين رأيا أنه من الأفضل الإبقاء على الاتفاق الإيراني النووي الموقع عام 2015 في الوقت الحالي؛ لأن نقض بنود الاتفاق لن يقتصر فقط على دفع إيران للمضي قدماً في برنامجها النووي المراقب دولياً، بل سيؤدي إلى عزلة القوى الأوروبية وروسيا والصين الموقعة جميعها على الاتفاق الذي باركته الأمم المتحدة.
ويهاجم ترامب مراراً وتكراراً الاتفاق النووي مع إيران الذي وقعته إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، وقال ترامب في 21 أبريل/نيسان الماضي إن “إيران لا تحترم روح الاتفاق حول برنامجها النووي”، وفقاً لما ذكرته وكالة الأنباء الفرنسية.
وتشير الوكالة أنه على الرغم من أن ترامب كان قد تعهد في حملته الانتخابية بتمزيق الاتفاق، إلا أنه حتى الآن لم يفعل ذلك، لكنه لا يزال مصراً على قناعته بأنه “اتفاق رهيب”، وأنه ما كان ينبغي أن يتم توقيعه بعد سنوات من المحادثات الشاقة.
معاقبة إيران
ويلفت تقرير “فايننشال تايمز” إلى أن إدارة ترامب تسعى حالياً لإيجاد طرق أخرى للنيل من إيران، بهدف كبح جماح توسعها ودائرة قوتها ونفوذها في العراق وسوريا ولبنان باتجاه دول الخليج جنوباً.
وتؤكد إسرائيل حليفة واشنطن أنها لن تتعايش مع إيران وحلفائها مثل “حزب الله” الذين يؤسسون لهم قاعدة عسكرية في سوريا، وكان الطيران الإسرائيلي قد قصف في يناير/كانون الثاني من عام 2015 قادة من “حزب الله” وجنرالاً إيرانياً بالقرب من مرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل.
وستهدف السياسة الأميركية -بحسب الصحيفة البريطانية- إلى تضييق الخناق على إيران، ذلك أن العقوبات الأميركية التي كانت مفروضة على إيران بسبب برنامجها النووي قد رفعت العام الماضي، إلا أن وزارة الخزانة الأميركية ما زالت محتفظة بـ”عقوبات ثانوية” لا يستهان بها على أفراد وشخصيات “معينين” تتهمهم واشنطن بتهم “ممارسة إرهاب الدولة”.
وأحد أهم تلك الكيانات التي تشملها العقوبات، “الحرس الثوري الإيراني” الذي هو ذراع قوة النظام الإيراني في البلاد ومحرّك مغامراتها الإقليمية.
ونقلت “فايننشال تايمز” عن خبراء توقعاتهم بأن واشنطن ستفرض عقوبات جديدة وهامة تستهدف إيران و”حزب الله” وحلفاءهما، فضلاً عن عقوبات جديدة قد تفرض مثلاً على اختبارات طهران الصاروخية.
محاصرة إيران اقتصادياً
وكانت إدارة ترامب فرضت في فبراير/شباط الماضي عقوبات جديدة على إيران، رداً على إطلاق صاروخ باليستي متوسط، وقال حينها الرئيس الأميركي إن “إيران تلعب بالنار”، بحسب ما ذكرته هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي“، والتي نقلت أيضاً عن مسؤول أميركي بارز صرح لها قائلاً: “هذه العقوبات خطوة مبدئية للرد على سلوك إيران الاستفزازي”.
ويشير تقرير صحيفة “فايننشال تايمز” إلى أنه بالنظر لجميع المساعي والجهود الرامية لعزل إيران عن نظام البنوك والمصارف العالمي، “فإن ذلك بمثابة ونفس تأثير تمزيق الاتفاق النووي والتنكر له”.
ويقول آدم سميث المستشار السابق للرئيس أوباما في شؤون العقوبات: “إن كانت المساعدات الاقتصادية محدودة فإن الاتفاق قد يموت على أية حال.”
ويلقي الاتفاق النووي الإيراني حالياً بثقله على انتخابات الرئاسة التي تنتظرها إيران، حيث يقول المتشددون المدعومون من الحرس الثوري إن الغرب قد غرر بالبلاد وخدعها لأن الاستثمار الموعود لم يتحقق ويأت بنتيجة ملموسة.
وانتقد الزعيم الإيراني “آية الله علي خامنئي” وحلفاؤه المحافظون سياسة روحاني الاقتصادية، قائلين إن الانفتاح الدبلوماسي الذي أتاحه الاتفاق النووي لم يتمخض عن المنافع التي وعد بها الرئيس، بحسب ما ذكرته وكالة رويترز.
ووفقاً لتقرير الصحيفة البريطانية، فإن الإدارة الأميركية ليست اللاعب الوحيد في مجال العقوبات، إذ يُعتقد أن “إد رويس” الرئيس الجمهوري للجنة الكونغرس الخاصة بالشؤون الخارجية، يرسم خطة عقوبات ضد حلفاء “حزب الله” في لبنان، ومنهم ميشيل عون المسيحي الذي اعتُمِد رئيساً للبنان بعد أزمة طال أمدها وتركت دفة قيادة البلاد فارغة طيلة 3 سنوات، كما من الأسماء التي تطالها العقوبات أيضاً الزعيم الشيعي المتحدث باسم البرلمان نبيه بري.
استهداف حزب الله
وتعول الولايات المتحدة على محاصرة حلفاء إيران اقتصادياً كـ “حزب الله” في لبنان، والذي يحتاج لموارد مالية كبيرة لتغطية تدخله في سوريا لصالح بشار الأسد، وتقول “فايننشال تايمز” في هذا السياق: “فلو أقرت واعتمدت هذه العقوبات الجديدة من بعد سيل العقوبات الأميركية قبل عام والتي استهدفت ليس حزب الله وحده بل كامل شبكته الواسعة للمعونات الاجتماعية ووقفت حائلاً دون التحويلات المالية إلى لبنان التي تبقيه واقفاً على قدميه، عندئذٍ قد يعم الاضطراب أخيراً في البلاد ويتزعزع استقرارها. إن لبنان يعض النواجذ ويتمسك بالأظافر بآخر ما تبقى له من بقايا الاستقرار، وليس يقيه من سم الحرب الضروس المشتعلة في جارته سوريا سوى ذكريات حربه الطائفية التي خاضها في تاريخه”.
وفي المقابل، تشير الصحيفة إلى أن هنالك قلقاً حقيقياً من أن لا شيء تفعله أميركا قد يحول دون إيران والمضي على طريق طموحها؛ وتقول: “عندئذ طالما أن لا الولايات المتحدة ولا إسرائيل ولاحتى السعودية بيدها حيلة لضرب إيران مباشرة، فسيكون الخوف حينها من قيام الرئيس الأميركي كالمعتاد بمنح الضوء الأخضر لإسرائيل كي تقدم على محاولة جديدة لتدمير حزب الله”.
وتضيف الصحيفة أنه على عكس الحرب الأخيرة بين “حزب الله” وإسرائيل عام 2006 حينما تعادل حزب الله مع إسرائيل، فإن “الحزب الآن يتمتع بترسانة ضخمة من الصواريخ التي تستطيع استهداف إسرائيل كلها. أي أنه بكلمات أخرى ثمة توازن إرهابي على طرفي الحدود الإسرائيلية اللبنانية، فإن لم ينجح الآن هذا التوازن، فقد تشهد المنطقة حرباً جسيمة مدمرة خاصة للبنان، تقصم ظهر المنطقة الجاثية أصلاً على ركبتيها من الإنهاك”.