ظنّ كثير من أهالي حلب المهجرين حديثا وفق اتفاق مع النظام أن خروجهم من المدينة المنكوبة سيكون حلا مرضيا وسبيلا للخلاص من حياة القصف والحصار، وسيصلون لبر الأمان بعد أن ذاقوا من الألم والعذاب خلال فترة الحصار ما يفوق طاقتهم وقدرتهم على التحمل، لذلك كان الرضوخ لمطالب النظام وخروجهم منها خير الحلول المرّة.
فلم تكن وجهة أهلها واحدة، فمنهم من قصد ريف حلب، وآخرون اختاروا دخول تركيا بطرق غير شرعية بعد محاولات فاشلة إثر إطلاق الجندرمة التركية النار علهم، والبعض الآخر اختار مساكن الإيواء لضيق حالتهم المادية.
لكن كيف سيعيش أولئك المهجرون في بلد غريب عنهم، وبم سيعملون ليجنوا قوت يومهم، فقد خرجوا بملابسهم وبعض الأمتعة الشخصية البسيطة تاركين وراءهم بيوتهم وأغراضهم ومحالهم بل وذكرياتهم في السلم والحرب، وقصصهم التي ستذكرها الأيام.
يروي لنا باسل من حي الشعار أكثر ما يؤلمه بعد تهجيره وعائلته:” كنت أعمل مدرسا في إحدى مدارس المدينة، وقررت الخروج مع المهجرين خوفا من اعتقال النظام، فتوجهت وعائلتي إلى مدينة ادلب ومكثنا في مدرسة لإيواء النازحين، لكن الوضع يرثى له هنا، فالحمامات بعيدة عن الغرف، والبرد قد أكل من أجسادنا”.
ويضيف باسل:” لذا قررت أن أستأجر منزلا صغيرا وأبحث عن عمل في المدينة لأعيل أسرتي، لكن دون جدوى فمعظم المدارس في المدينة متعاقدة مع منظمات ولديهم كوادر مسبقا، وكذلك الأمر بالنسبة للمعاهد والمدارس الخاصة، ومع ذلك لن أيئس وسأواصل عملية البحث إلى أن أوفق بعمل فالحياة لابد أن تستمر ولا ينفعنا إلقاء اللوم على أي طرف فيما وصلنا إليه”.
عملت هيئة الإغاثة في كافة مناطق الشمال المحرر بالتعاون مع بعض المنظمات الإنسانية جاهدة لاستيعاب أعداد المهجرين قسريا من ناحية تأمين المأوى وبعض المستلزمات الأساسية من أغذية وكسوة وغيرها، إلا أن إمكانياتهم لا تتجاوز ذلك بالإضافة لسلال غذائية ووجبات بحسب ما يتوفر لديهم.
لكن المشكلة التي يواجهونها هي الصعوبة في تأمين فرص عمل فمعظمهم لا يملكون رأس مال ليعملوا بالتجارة، وفرص العمل بدون ذلك قليلة جدا باستثناء بعض الأعمال التي تتطلب جهدا جسديا “كالعتالة” وأعمال البناء وغيرها، وما يثير القلق لا يوجد بوادر أمل في القريب العاجل تنذرهم بعودة محتومة لمدينتهم الشهباء، فربما يطول مكوثهم في تلك المناطق.
يقول أبو عبد الرحمن من أحد مراكز الإيواء في ريف ادلب:” كنا نعيش بعزتنا وكرامتنا في حلب، إلى أن دمرها نظام الأسد وسلب منا شقاء عمرنا ومصدر رزقنا، وبعد أن كنا نتصدق من أموالنا على الفقراء، أصبحنا بحاجة لصدقة، نحن لانريد سلالا غذائية منتهية الصلاحية من الدول الصديقة، بل نريد تأمين خدمات في المناطق التي هجرنا إليها وفرص عمل لتشغيل الشباب ليتمكنوا من العيش بكرامة”.
المركز الصحفي السوري _ سماح الخالد