العم “أبو عمّار” رجل في عقده السادس، خلق وترعرع في مخيّم اليرموك ودرس فيه وتعلّم مهنة التكييف المركزي ليبدأ بناء أسرته كأيّ شاب في مقتبل العمر.
يقول أبو عمّار مستذكراً تلك الأيام “بلشنا شوي شوي من البداية نبني حالنا لحد ما وصلنا صار عنا شغل كويس وصار بالفترة الأخيرة وضعنا المادي كتير جيد وصار عنّا محلات وأملاك وأمورنا صارت كتير ميسورة”.
بعد اندلاع الثورة السورية في الخامس عشر من آذار 2011 حرص أهالي مخيم اليرموك على البقاء بعيدين عن جوّ الأحداث لما عانوه في بلاد أخرى كـ لبنان والأردن، فحاولوا تجنيب المخيم من الانخراط في الحرب السورية إلاّ أنّ المخيم انقاد إلى الأحداث بشكل أو بآخر، يقول أبو عمّار “حاولنا كتير نخلي المخيم خارج الحرب السورية ولكن بالنهاية زج المخيم بشكل أو بآخر بالأحداث”.
غادر أبو عمّار منزله لأنّه شعر أنّ مكروهاً سيصيبه لموقعه على خطّ التّماس في منطقة الحجر الأسود، وبالفعل تعرّض البناء للقصف مما أدّى لاحتراقه بالكامل، فيصف أبو عمّار ذلك بقوله “أخدت عائلتي وولادي وانتقلنا لداخل المخيم عند بيت أهلي وقعدنا هنيك لأن حسيت بالأزمة يلي رح تصير بالمنطقة، تدمّر البناء بشكل كامل بسبب القصف يلي تعرضت له المنطقة”.
بعد أن انتقل أبو عمّار وعائلته إلى مخيم اليرموك في محاولة منه لإبقاء أفراد أسرته بعيداً عن القصف، بدأ النّظام يستهدف المراكز الطبية في المخيم مما عرّض منزل أهله لقصف فقد على إثره ابنه وابنته وإصابة أخته وابنة أخيه، ينزع أبو عمّار نظارته الطبيّة ويفرك عينيه ليمنع دموعاً تحاول الخروج منها ويقول “كان القصف كتير عالمخيم وبالتحديد على المراكز الطبية وكان في مركز طبي مقابل بيت أهلي وأجت قذيفة على سطح البيت لما كانوا ولادي ياسر ولمى عم يلعبوا عالسطح فاستشهدوا وتصاوبت أختي وبنت أخي إصابات بليغة”.
تقطع أم عمّار الحديث بدموعها التي أبت أن تبقى حبيسة صدرها المتألم على أولادها وتقول “بكون قاعدة لحالي فبتخيلن صاروا شباب، بصفن بصورن وقت كانوا صغار وكل سنة عن سنة بحسن عم يكبروا معي” ففي كلّ عام في موعد وفاة أولادها تصاب أم عمّار بانهيار يبنيه ذلك الإحساس بوجودهم بجانبها.
يعود أبو عمّار لاستلام دفّة القيادة في الحديث بعد تنهيدة ممتلئة بالألم والخذلان ويقول “ما بحب أحكي قدامها، هي ما شافت ياسر” سقطت الدموع خلف نظّارته السميكة فرفعها وحاول مسحها بأصابعه الثخينة وأكمل “ياسر كان عبارة عن شقف لحم، مجمعينها ببطانية وأول شي ما خطر ببالي يكون ابني.. بس لما شفت البطانية انها بطانية أهلي انصدمت وما قدرت صدق انو هاد ابني يلي فيها، نبشت شقف اللحم ولقيت كف ياسر وقتها أيقنت أنو هي أشلاء ابني”.
يكمل أبو عمّار وقد مسح دموعه واستطاع ضبط نفسه “أما لمى فكان رأسها مفلوق أربع شقف بس جسمها كامل ما في شي، ووجهها فيه جزء ما في شي، أم عمّار شافت هاد الجزء”.
رغم مصابه الكبير، إلاّ أنّ أبو عمار يحمد الله أنّ أفراد عائلته وعائلة أهله كانوا قد غادروا موقع القذيفة قبل وقوعها بلحظات، وإلاّ لكانت حدثت مجزرة مروعة، فيقول “كان بالصالون بحدود الــ14 شخصا مكان وقوع القذيفة، بس الحمد لله فضي قبل لحظات وإلا كانت صارت عنا مجزرة”.
يضيف أبو عمّار والحزن تمالك ملامح وجهه الذي خطّت التّجاعيد فيه “ياسر ولمى تركوا فيني أثر كتير كبير.. كنت معن بنفس الموقع وشفت وسمعت وحسيت بالخوف من نفس القذيفة.. هنن برا البيت وأنا جواتو.. تمنيت كتير اني روح معن.. بس هاد القدر المكتوب.. قدّر الله وما شاء فعل”.
عن حياته في مخيم اليرموك يقول أبو عمّار “المخيم عبارة عن أرض مستأجرة من هيئة الأمم المتحدة لصالح اللاجئين الفلسطينيين ليبنوا عليها بيوت، بس العائلات كبرت وانجبروا أهل المخيم يشتروا أراضي على أطراف المخيم بكاتب عدل لأن ما بيحق للاجئ الفلسطيني يستملك بالبلد”.
كان اللاجئون الفلسطينيون يلجؤون إلى بعض الحيل القانونية لاستملاك الأراضي والعقارات عن طريق تسجيلها باسم أشخاص يثقون بهم أو ممن أصبحوا من أقربائهم كما يفعل معظم الفلسطينيين بكتابة العقار باسم الزوجة التي تحمل الجنسية السورية أو شخصاً موثوقاً جداً كما يقول أبو عمّار “إذا الفلسطيني بدو يعمر بيحتاج لشخص سوري يكتب العقار باسمو ويستخرج رخصة باسمو.. فلازم يكون شخص موثوق مليون بالمية أو مثلاً بيكون حدا من أفراد العيلة متزوج وحدة سورية بيكتب العقار باسمها لأن جنسيتها سورية”.
استطاع أبو عمّار أن يحتفظ بالوثائق والسندات التي تثبت ملكيته للعقارات ووثائقه الشخصية لأنّه كان حريصاً على الحفاظ على أيّ شيء يثبت شخصيته وملكيته، يقول أبو عمّار في هذا الخصوص “أنا كنت حريص جداً انو احمل كل أوراقي الثبوتية من أملاك إن كانت عقارات أو وثائق شخصية وهويات وكنت حريص جداً أنو ضل محتفظ فيها”.
إلاّ أنّ الشيء الذي كان يخيف اللاجئين الفلسطينيين بالرغم من حيازتهم على وثائق تثبت ملكيتهم للعقارات في مخيم اليرموك هو أنّ الحكومة السورية تعتبر أنّ الأرض للدولة فهي تعتبر أنّ وثيقة الملكية خاصّة بالبناء أمّا الأرض فلا تثبت ملكيتها لأنّها تعتبر أنّ الأرض بالأصل مستأجرة من هيئة الأمم المتحدة، يقول أبو عمّار حول هذا “وثيقة تملكك للبناء هي وثيقة تعتمد على اثباتات موثقة لدى مؤسسة اللاجئين الفلسطينيين بس ما بتثبتلك انو هي الأرض ملكك لانو هي بطبيعة الحال مستأجرة من هيئة الأمم المتحدة”.
ففي ظلّ تلك القرارات التي تخصّ اللاجئين عندما كانوا في عقاراتهم هل ستحمي ممتلكاتهم من الضياع وهم مهجرون خارجها!!! وخاصّة أنّ النّظام يصدر قوانين يصادر عن طريقها ممتلكات الشعب السوري الأصلي، فكيف سيكون الحال باللاجئين الفلسطينيين!!!!!!